11فبراير... ثورة وطنية لا بوكي لها
السياسية || محمد محسن الجوهري*
إذا قورنت ثورة 11 فبراير الشعبية بثورة 26 سبتمبر، لوجدنا أن الأخيرة أقرب إلى الانقلاب العسكري منها إلى الثورة الشعبية، إذ جاءت بدعم إقليمي ودولي في سياق الحرب الباردة والصراع بين قطبي الاشتراكية والرأسمالية، ولم يكن للشعب اليمني حينها حضور جماهيري واسع بقدر ما كان دور النخبة العسكرية الحاسمة. في المقابل، تميزت ثورة 11 فبراير بأنها ثورة جماهيرية بامتياز، إذ خرجت كل فئات الشعب، من الطلبة والعمال والموظفين والقبائل، في مختلف المدن اليمنية، في مشهد لم تشهده اليمن منذ عقود، ضد نظام موسوم بالخيانة والعمالة بقيادة الهالك علي عبدالله صالح.
وللتذكير، فقد تجلت خيانة عفاش في أكثر من موقف؛ فهو الذي فتح المجال أمام الولايات المتحدة لاستخدام الأراضي اليمنية في عمليات الطائرات المسيرة التي قتلت المئات من الأبرياء، وهو الذي جعل من مؤسسات الدولة غطاءً لفساده وأسرته، حتى صار اليمن يوصف بأنه "الدولة الأفقر والأفسد" في المنطقة. ورغم ذلك، كان يتوسل الشهيد الرئيس صالح الصماد لإلغاء الاحتفال بذكرى الثورة، عارضًا كل أشكال التنازل، ولولا مروءة الشهيد الصماد لظل الشعب اليمني يحتفل بها سنويًا كما كان الحال حتى تأسيس المجلس السياسي الأعلى في يوليو 2017.
ولأن الطبع يغلب التطبع، انقلب عفاش على كل كرم الصماد وتسامحه معه، وبدلًا من رد الجميل اتجه لتصعيد الوضع داخليًا خدمةً للسعودية والإمارات. فجعل من 2 ديسمبر، الذي يصادف اليوم الوطني للإمارات، موعدًا لإعلان تمرده وخيانته. كما حاول توظيف ذكرى 26 سبتمبر لإحياء النعرات المناطقية والطائفية، محولًا إياها إلى مظلة لتجمع كل من يعانون عقدة الأصل أو يبحثون عن هوية مصطنعة مرتبطة بالعدوان الخارجي. ولم يكن عفاش وحده في هذا المربع، بل كثيرون ممن جمعهم حب المال والانفصال عن المبادئ الدينية والأخلاقية.
أما حزب الإصلاح، فقد خان الثورة منذ عامها الأول حين وقع على المبادرة الخليجية في 2011، التي كانت أشبه بصفقة إنقاذ لعفاش ونظامه، فتم التخلص من رأس النظام وبعض المقربين منه فقط، بينما بقيت بنية النظام العميقة قائمة. وكان المشهد الأكثر إذلالًا هو بقاء القرار اليمني بيد السفير الأميركي، الذي استمر في دور الحاكم الفعلي للبلاد، في انتقاص فاضح من السيادة والكرامة الوطنية.
ثم جاءت ثورة 21 سبتمبر لتشكل المنقذ لعفاش من مخطط الخارج الذي أراد تصفيته نهائيًا بعد أن أصبح ورقة محروقة. لكن عفاش لم يتعظ، فبدلًا من أن يعترف بفضل هذه الثورة عليه، انقلب عليها في ديسمبر الأسود، وانتهى به المطاف إلى مصير يليق بالخونة. ومع ذلك، تبقى الحقيقة أن ثورتي 11 فبراير و21 سبتمبر تكملان بعضهما البعض: الأولى كسرت حاجز الخوف وأسقطت شرعية عفاش شعبياً، والثانية أنهت الوصاية الأجنبية وأعادت لليمن سيادته، ولولا الاختزال الإخواني لثورة فبراير في مبادرة العار الخليجية، لما اضطر الشعب للانطلاق مجددًا بثورة سبتمبر.
ومن هنا، فإن العودة لإحياء ذكرى 11 فبراير ليست مجرد احتفال رمزي، بل هي استعادة لذاكرة الشعب الجمعية، ورسالة للخونة في الداخل وللعدوان في الخارج بأن هذه الثورة باقية. فهي الثورة الأم التي أنجبت سبتمبر الجديد، وهي التي مرغت أنف عفاش وزبانيته في التراب، وإحياؤها كفيل بأن يعيد "العفافيش" إلى مربعات الرعب والهذيان، كما كان حالهم بين الثورتين المجيدتين.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب

