السياسية || محمد محسن الجوهري*

تكتظ الساحة الإسلامية اليوم بالكثير من التيارات التي تروج لتوجهات منافية للإسلام كالقومية الضيقة والوطنية المنغلقة والعلمانية المتجردة من القيم، وهي في حقيقتها ليست سوى أصنام فكرية جديدة صاغها أعداء الأمة ليضعوها في قلوب المسلمين مكان نبيهم ودينهم.

هذه الأيديولوجيات تزرع في وعي الشعوب الإسلامية الانقسام والانعزال، فتجعل المصري لا يرى إلا مصر، واليمني لا يرى إلا اليمن، والعراقي لا يهتم إلا بحدوده الجغرافية، وكأن روابط الدين والإيمان والرسالة قد تلاشت. وبهذا تُحوَّل الأمة التي أرادها الله أمة واحدة إلى أمم ممزقة لا يجمعها جامع ولا يوحدها جامع، وكل منها منكفئ على ذاته لا يرى من هموم المسلمين إلا ما يخصه وحده.

وهذا النهج ليس وليد اللحظة، بل هو امتداد مباشر لسياسة "فرّق تسد" التي مارسها الاستعمار الغربي والصهيونية العالمية منذ قرون، حين أدركوا أن وحدة المسلمين تحت راية نبيهم تعني نهايتهم المحتومة، فعملوا على إذكاء العصبيات القومية والمذهبية والمناطقية، حتى أصبحت أمة محمد أمة الألف وجه ووجه، تارة باسم الوطنية، وتارة باسم الحداثة، وأخرى تحت شعارات براقة ظاهرها الرحمة وباطنها التفريق. والنتيجة أمة متناحرة فيما بينها، مشغولة بصراعات داخلية مفتعلة، بينما العدو الحقيقي ينهب ثرواتها ويحتل أرضها ويستعبد أبناءها.

لكن مناسبة عظيمة مثل الاحتفاء بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم تعمل كقوة موحدة تهدم كل العقائد الباطلة وتفضح كل الفروقات المصطنعة التي زرعتها التيارات الهدامة. فهي تعيد الأمة إلى صراطها المستقيم، حيث الالتفاف حول النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصبح القاعدة الجامعة لكل مسلم، فتتلاشى الانقسامات القومية والمناطقية والمذهبية، وتنهار كل العداوات المزروعة بين الشعوب الإسلامية.

وليس هذا بالأمر الجديد، فقد شهد التاريخ أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين هاجر إلى المدينة وجد مجتمعًا متفرقًا بين قبائل وأعراق متناحرة، فعمل بتوجيهاته وإرشاداته على توحيدهم، فجعلهم أمة واحدة متماسكة تحت راية الإسلام، تتعاون على نصرة الحق والعدالة، وتدفع عن بعضها الشر والعدوان، حتى صاروا مثالاً حيًا لوحدة الأمة وقوة الإيمان.
وها نحن اليوم، بمناسبة الاحتفال بمولده الشريف، نعيد نفس الروح إلى الأمة، حيث تجتمع القلوب على حبه، وتتوحد الصفوف على نهجه، ويصبح كل مسلم جزءًا من جسم واحد، يدفع عن الآخر ويقف صفًا كالبنيان المرصوص، مجددًا عهد الوفاء للنبي، ومعلنًا أن كل مظاهر التفرق والاختلاف المصطنعة لا مكان لها في الأمة الموحَّدة بولائها لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم.

وفي هذه المناسبة أيضًا، يُستذكر أن نصرة النبي كانت دائمًا مرتبطة بنصرة المظلومين والدفاع عن المستضعفين، وهذا ما يربط الاحتفال بالبعد العملي للأمة في مواجهة العدو، حيث يتحول الولاء للنبي إلى فعلٍ حيٍّ في ميادين العزة والكرامة، فالمولد النبوي يصبح درسًا مستمرًا في الوحدة، وقوة الروح الجماعية، ومصدر عزّ للأمة كلها.

وفي كل مرة تحتفل الأمة بهذه المناسبة العظيمة، تتجلى حقيقة القوة الروحية التي تحملها، فكما تسقط الأوهام والأصنام المادية أمام نور الله، تسقط الأصنام الفكرية المفرقة للأمة أمام نور حب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فتنكشف لكل ذي بصيرة خطورة تلك العقائد المزروعة التي تحاول تشتيت الأمة وتفريق شعوبها.

ولذلك، لا غرابة أن يقف شيوخ الضلال والمعادون لوحدة الأمة ضد هذه المناسبة، فهم يدركون أن الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليس مجرد طقس ديني، بل هو قوة توحيدية حقيقية تعيد الأمة الإسلامية إلى صفوفها المترابطة، وتجمع قلوبها وعقولها على الولاء للنبي.

وهذه الوحدة تشكل حائط صد أمام المشروع الصهيوني الذي زرع عملاءه في أكثر من بلد إسلامي، سعياً لإضعاف الأمة وتفريقها، فكل احتفال بمولد النبي يفضح مؤامراتهم ويضعف نفوذهم، ويؤكد أن الأمة لا يمكن أن تُستعبد أو تُقسم ما دامت ثابتة على محبة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، رافعة رايته، ومتحدة على نصرة الدين والمستضعفين في كل مكان.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب