السياسية || محمد محسن الجوهري*

إن تعظيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فريضة إلهية، قال الله تعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [الفتح: 8-9]، فالتعزير والتوقير للنبي ليس فضلاً نقدمه له، بل فريضة واجبة ونعمة ننال فضلها نحن، إذ هو أعظم خلق الله وأكرمهم، وأكبر نعمة أنعم الله بها على البشرية. ومن حق هذه النعمة أن تُعظَّم ويُشاد بها، وأن يُرفع ذكرها في كل زمان ومكان. والالتفاف حول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس مجرد شعور وجداني أو انفعال عاطفي، بل هو تعبير عملي عن الولاء لله ولدينه، وهو في الوقت نفسه من أهم دواعي القوة والعزة والشرف التي تميز الشعب اليمني عن غيره من الشعوب.

لقد أثبت اليمنيون عبر التاريخ أنهم أوفى الناس للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، منذ أن قال في شأنهم: "الإيمان يمان والحكمة يمانية" ، فصاروا بحق أنصار الدين وحملة رسالته، يرفعون رايته ويحيون أمره جيلاً بعد جيل. والاحتفال بمولده الشريف ليس مجرد مناسبة دينية عابرة، إنما هو إعلان متجدد عن الانتماء إلى الإسلام الحق، وتجسيد لقول الله تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: 58].

والمعركة الدائرة اليوم ليست معركة سياسية فحسب، بل هي معركة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضد أعداء الله ورسوله، معركة تحدد الولاء الحقيقي وتكشف المواقف بوضوح، فلا مجال فيها للحياد أو التردد: إما مع النبي أو مع أعدائه، وإما تحت رايته أو في صفوف أهل الكتاب الذين ناصبوه العداء قديماً وحديثاً.

والواقع اليوم يشهد بذلك بجلاء، فقد تبين أن من تخلوا عن رسول الله وحرموا الاحتفاء به وحاولوا إطفاء نوره، هم أنفسهم من تخلوا عن أمته وعن دينه، وارتبطوا باليهود خيانةً وولاءً، فصار موقفهم متطابقاً مع موقف اليهود الذين قال الله عنهم: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ [الصف: 8].

وقد جاءت أحداث غزة لتكشف الحقائق بوضوح، فبان أن الذين حرموا تعظيم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسعوا جاهدين لإطفاء نوره، هم ذاتهم الذين تخلوا عن أمة محمد في غزة، وأسهموا في حصارها وخذلانها، وارتهنوا قرارهم للصهاينة، حتى صاروا أدوات بأيديهم ينفذون أوامرهم.

وهكذا بلغوا المرحلة التي أرادها اليهود لهم، مصداقاً لقوله تعالى: ﴿مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [البقرة: 105].

وفي الجهة المقابلة يسطع الموقف اليمني مغايراً تماماً، إذ آثر اليمنيون أن يكونوا في صف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، متمسكين بولائه، معظِّمين لشأنه، محتفين بمولده الشريف، ورافعين رايته خفاقة في السماء، مستحضرين قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "الإيمان يمان والحكمة يمانية".

ففي الوقت الذي اندفع فيه آخرون إلى أحضان التطبيع مع العدو، اندفع اليمنيون إلى ميادين الولاء والوفاء، محتشدين بالملايين ليجددوا بيعتهم للنبي، ويبعثوا برسالة مدوية إلى العالم أجمع أنهم ثابتون على نهجه، ماضون على خطاه، وأن نصرتهم لغزة وفلسطين إنما هي امتداد طبيعي لنصرتهم لرسول الله، فالميدان واحد، والراية واحدة، والعدو واحد.

وليس ذلك بغريب على من جسّدوا قول الله تعالى: ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ﴾ [النساء: 75]، فكما أن نصرة المستضعفين في غزة واجب إيماني، فإن نصرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيم شأنه فريضة ربانية، وهما في الحقيقة وجهان لمعركة واحدة ضد عدو مشترك، أراد أن يسلب الأمة نبيها وهويتها ليستفرد بأرضها وثرواتها، فأبى اليمنيون إلا أن يكونوا في طليعة المدافعين عن النبي وأمته معاً.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب