من قوة إسناد إلى هيبة جيش حديدي!
السياســـية : تقرير || صادق سريع*
"الانتماء العقائدي والقبلي والنظام الأمني الصارم الذي يراقب المتطفلين ويعاقب المتورطين في التخابر، ويكافئ المتعاونين ضد عمليات التجسس؛ من تلك العوامل أصبح لليمن جيشٌ حديدي خالٍ من الخونة، يتحدى أقوى جيوش العالم"، هكذا قالت صحيفة "بايجياهاو" الصينية.
وأضافت: "العقيدة العسكرية اليمنية ترتكز على مبدأ الحرب غير المتكافئة، باستخدام الطائرات المسيّرة زهيدة الثمن لمواجهة المنظومات الدفاعية الأمريكية عالية التكلفة، ما شكّل معادلة استنزاف اقتصادية لصالح القوات اليمنية".
وأكدت فشل العدوان الأمريكي والبريطاني و"الإسرائيلي" على اليمن في إضعاف قدرات قواته المسلحة، بل جعله أكثر صلابة وتنظيمًا، واستخدامًا أفضل لتكتيكات الإطلاق اللامركزية التي أربكت أنظمة الدفاع الأمريكية.
وشنّت الولايات المتحدة وبريطانيا و"إسرائيل"، ودول أوروبية، عدوانًا جويًا وبحريًا على اليمن في 12 يناير 2024، بهدف تأمين حركة ملاحة السفن "الإسرائيلية" في البحر الأحمر، بأكثر من 950 غارة وقصفًا جويًا، خلّف 250 شهيدًا و714 جريحًا من المدنيين.
وفي 15 مارس 2025، استؤنف عدوانٌ جوي أمريكي آخر على اليمن باسم عملية "الفارس الخشن"، بأكثر من 1,500 غارة جوية استمرت 53 يومًا، أدى إلى استشهاد 280 مدنيًا، وإصابة أكثر من 650 آخرين.
وفق تعريف الصحيفة، المعركة لم تعد عسكرية فقط، بل أصبحت تدار من الجيش اليمني في فضاء الإعلام الإلكتروني عبر منصات التواصل الرقمية لبث عمليات إطلاق الصواريخ المساندة لغزة بزوامل حماسية وأغانٍ أمريكية ساخرة، أكسبت اليمنيين تعاطفًا عربيًا وعالميًا واسعًا، في حين يظهرون صور الشهداء المدنيين في غزة بموقع الدفاع عن النفس.
وأعلن اليمن في نوفمبر 2023 معركة "الفتح الموعود والجهاد المقدّس" لإسناد غزة ضد العدوان الصهيوني، وفرضت قواته المسلحة حصارًا بحريًا على سفن "إسرائيل" والمرتبطة بها في بحار الأحمر والعربي والأبيض المتوسط والمحيط الهندي، حتى رفع الحصار ووقف العدوان الصهيوني على غزة.
حسب العقيدة العسكرية لـ"بايجياهاو" الصينية، أدت التطورات في منطقة البحر الأحمر إلى تآكل صورة الهيمنة الأمريكية، وتراجع ثقة الحماية في أمريكا، ما دفع حليفاتها السعودية والإمارات إلى البحث عن تحالفات أمنية بديلة مع الصين وروسيا.
وخلاصة تحليلها، تؤكد: "أن صعود القوات اليمنية يعكس ملامح الحرب في القرن الحادي والعشرين، حيث لم يعد النصر يُحسم بحجم الترسانات، بل بقدرة المقاتل على كسب معركة الرواية والحفاظ على صلابة الجبهة الداخلية".
.. سقوط الهيبة على المحك
في اعتراف عسكري أمريكي جديد، يؤكد نجاح القوات اليمنية في فرض معادلات جديدة وأربكت حسابات القوى العدوان وتوجيه ضربات غير مسبوقة لهيبة قوة البحرية الأمريكية العظمى وحليفاتها منذ الحرب العالمية الثانية.
وأكدت الكاتبة الأمريكية إيفلين هارت أن عودة حاملة الطائرات "هاري ترومان" إلى القاعدة البحرية بفرجينيا الأمريكية، بعد مهام بحرية لثمانية أشهر، كشف عن حجم الإخفاقات الإستراتيجية والفنية التي واجهتها البحرية الأمريكية في معركة البحر الأحمر.
وقالت في مقال تحليلي عسكري نُشر بموقع "إنديان ديفينس ريفيو": "إن تكبّد البحرية الأمريكية خسائر فادحة في البحر الأحمر (ثلاث طائرات حربية متقدمة من طراز سوبر إف 18 بكلفة أكثر من 180 مليون دولار)، يعد أول كسر حقيقي وضربة غير مسبوقة لهيبة البحرية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية".
وأضافت: "معركة البحر الأحمر كشفت عن مشاكل هيكلية في التدريب والصيانة والقيادة داخل الأسطول الأمريكي، ما دفع وزارة الدفاع إلى فتح تحقيق شامل يشمل مراجعة بروتوكولات السلامة وعمليات مناولة الطائرات والتواصل القيادي".
وأقرت بأن فعالية الردع الأمريكي باتت موضع شك، في ظل استمرار قوات صنعاء فرض الحظر البحري على سفن "إسرائيل" في البحر الأحمر وعلى موانئها، مما أجبر الشركات البحرية والسفن التجارية على تغيير مساراتها عبر طريق رأس الرجاء الصالح، ما يثبت ضعف قدرات البحرية الأمريكية على فرض السيطرة وتأمين خطوط الملاحة البحرية.
للمعلومة، إيفلين هارت، كاتبة سياسية ومحللة عسكرية وطيارة في سلاح الجو الأمريكي وعضو مؤسس لمنظمة "الطيارين السيدات التاسعة والتسعون"، حصلت على درع صليب الطيران الفخري في الطيران الأمريكي، كأول امرأة تطير بمفردها عبر المحيط الأطلسي محققة أرقامًا قياسية.
وتواصل القوات اليمنية فرض الحظر الجوي بالصواريخ والمسيّرات على مطار اللد وميناء حيفا في "إسرائيل"، مع استمرار الحصار البحري في البحر الأحمر على سفنها والمرتبطة بها، وقد أدى إلى إغلاق ميناء أم الرشراش، وإغراق أربع سفن: روبيمار في 18 فبراير 2024، توتور في 12 يونيو 2024، ماجيك سيز في 8 يوليو 2025، وإيترنيتي سي في 9 يوليو 2025.
في السياق، اعتبر موقع "ذا لودستار" البحري البريطاني التصعيد البحري الأخير لقوات صنعاء، نهاية يوليو الفائت، ضد كل الشركات والسفن المرتبطة بالموانئ الإسرائيلية، تحولًا تصعيديًا إستراتيجيًا في مسار الصراع البحري، يفتح أبوابًا غير مسبوقة لبنك الأهداف المحتملة.
وأعلنت صنعاء في 27 يوليو الفائت تصعيد عمليات الإسناد لغزة بتنفيذ المرحلة الرابعة من الحصار البحري على "إسرائيل"، ضد كافة الشركات والسفن -بأي جنسية وأي مكان تطالها صواريخها- لها علاقة بموانئ الكيان.
وخلاصة تحليل الكاتبة هارت، تؤكد: "أن تجربة البحر الأحمر لم تكن مجرد حادثة بحرية، بل تحوّل استراتيجي في توازن القوى البحرية، وبروز قوة اليمن كقوة إقليمية تمكنت في رسم مستقبل الحروب البحرية وإعادة تقييم مهام حاملات الطائرات الأمريكية في المواجهات الحديثة".

