هكذا تحوّلت "أنصار الله" إلى قوة عالمية فاعلة!
السياســـية : تقرير || صادق سريع*
عن البداية والتوجه الفكري والثقافي والدور السياسي والإعلامي والقوة العسكرية المتنامية على المستوى الإقليمي، وسر صمود حركة "أنصار الله" في اليمن الذي يقلق واشنطن، تحدثت رئيسة كلية "غيرتون" في جامعة "كامبريدج"، الباحثة إليزابيث كيندال، في حوار عميق أجراه الصحفي جاك ديكنز مطلع الشهر الجاري، لمجلة "إنجلسبيرج" البريطانية.
وقالت: "حركة 'أنصار الله' ليست مجرد حركة وكيلة لإيران كما يُشاع، بل هي حركة محلية الجذور، نشأت في ثمانينات القرن الماضي، بقيادة القائد الشهيد السيد حسين بدر الدين الحوثي، ثم تحوّلت إلى قوة سياسية وعسكرية فاعلة ومؤثرة بقيادة أخيه السيد عبد الملك الحوثي".
وأضافت: "وقد أصبحت اليوم قوة عسكرية وسياسية وإعلامية مستقلة أذهلت صناع القرار في أمريكا ودول الغرب وأربكت حساباتهم، وفرضت معادلات سياسية وعسكرية جديدة في المنطقة، وحالياً تسيطر على مساحة شاسعة من اليمن تضم أكثر من ثلثي السكان".
وتابعت: "'أنصار الله' واليمنيين بشكل عام استفادوا من الخبرات والتجارب في الحروب التي اندلعت خلال العقود الأخيرة، مما عزز قدراتهم على الصمود في مواجهة الحملات العدوانية لتحالف العدوان السعودي-إماراتي، والتي شنتها الولايات المتحدة و'إسرائيل' ودول أوروبية على اليمن".
وماذا أيضاً؟ "ومنحتهم تضاريس الجغرافيا الجبلية الوعرة في اليمن، تفوقًا عسكرياً ولوجستياً إستراتيجياً على أعدائهم، ومكنتهم من إخفاء أسلحتهم وحمايتها من ضربات الحملات العسكرية العدوانية واسعة النطاق".
وعن علاقة الأنصار بإيران، قالت: "هي علاقة مصالح متبادلة، لا علاقة تبعية، أفادتهم بالدعم السياسي والخبرات العسكرية، وقد أصبحوا يصنعون أسلحتهم محلياً ومواجهة خصومهم في الحرب غير المتكافئة بقرار مستقل".
وأضافت: "وقد واجهوا لأكثر من ثماني سنوات عدواناً عسكرياً شنه التحالف الإقليمي بقيادة السعودية والإمارات بدعم أمريكي مباشر، دون أن يفقدوا قدراتهم على الصمود والتوسع، بل عززوا موقعهم الجيوسياسي والديمغرافي والعسكري في اليمن والمنطقة".
وشنّ تحالف العدوان، بأكثر من 17 دولة بقيادة السعودية، عدواناً غاشماً على مناطق حكومة صنعاء في 26 مارس 2015، ما يزيد عن 274,302 غارة وقصف جوي على مدى ثماني سنوات، أدى إلى استشهاد 18,503 شهداء و32,353 جريحاً، بينهم 4,136 طفلا شهيدا، و5,109 جرحى، ولا يزال الحصار الاقتصادي الظالم الذي يفرضه التحالف العدواني على اليمن مستمراً إلى هذه اللحظة.
عقب ذلك، أعلنت حركة "أنصار الله" في حكومة صنعاء نهاية 2023، إسناد غزة ضد العدوان الصهيوني، بمعركة "الفتح الموعود والجهاد المقدّس"، وفرضت قواتها المسلحة حصاراً بحرياً على سفن "إسرائيل" والمرتبطة بها، في بحار: الأحمر، والعربي، والأبيض المتوسط، والمحيط الهندي، حتى رفع الحصار ووقف العدوان الصهيوني على غزة.
وانتقاماً للموقف المساند لغزة وقضية فلسطين، شنّت الولايات المتحدة وبريطانيا و"إسرائيل"، ودول أوروبية، عدواناً جوياً وبحرياً على اليمن في 12 يناير 2024، بهدف تأمين حركة ملاحة السفن "الإسرائيلية" في البحر الأحمر، بأكثر من 950 غارة وقصفاً جوياً، خلّف 250 شهيداً و714 جريحاً من المدنيين.
وفي 15 مارس 2025، استأنفت عدواناً جوياً آخر على اليمن باسم عملية "الفارس الخشن" بأكثر من 1,500 غارة جوية استمر 53 يوماً، أدى إلى استشهاد 280 مدنياً، وإصابة أكثر من 650 آخرين.
رئيسة عمادة كلية "غيرتون"، الدكتورة البريطانية، إليزابيث كيندال الباحثة، اعتبرت إعلان الولايات المتحدة وقف إطلاق نار (العدوان على اليمن)، مقابل وقف اليمن هجمات على سفنها في البحر الأحمر، انتصاراً رمزياً وواقعياً لليمنيين، باعتبار أن إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يعد اعترافاً ضمنياً بأنهم قوة لا يمكن تجاوزها.
وأطلقت تحذيراً مؤدلجاً بعدم تجاهل تأثير المحتوى الإعلامي الذي تنشره المواقع وحسابات التواصل على المنصات الرقمية التابعة للحركة، بأشكال إعلامية وفنون ثقافية متعددة من المحاضرات الدينية والخطابات الثورية والزوامل والقصائد إلى الشعر الشعبي (...).
لماذا؟ لأن اليمنيين "أنصار الله" - بنظرها- لديهم قدرات صناعة محتوى إعلامي وثقافي وتعبوي لا يقل تأثير على الجمهور عن الصواريخ والطائرات المسيّرة التي يصنعونها محلياً، وهذا يعزز مكانتهم الاجتماعية في البلاد، داعية إلى مواجهة هذا السلاح الثقافي بالمثل لا بالقنابل فقط.
المؤكد في سرديتها كباحثة أكاديمية مهتمة في الشأن اليمني والمنطقة: "فإن حركة 'أنصار الله' لم تقدم أي تنازل قطعاً لواشنطن فيما يتعلق بـوقف الهجمات على 'إسرائيل'، حيث تزال مستمرة في استهدافها بالصواريخ والمسيّرات وعلى سفنها والمرتبطة بها في البحر الأحمر".
وتواصل صنعاء فرض حظر جوي بالصواريخ والمسيّرات على مطار اللد وميناء حيفا في "إسرائيل"، مع استمرار الحصار البحري في البحر الأحمر على سفنها والمرتبطة بها، وقد أدى إلى إغلاق ميناء أم الرشراش، وإغراق أربع سفن: روبيمار في 18 فبراير 2024، وتوتور في 12 يونيو 2024، ثم ماجيك سيز في 8 يوليو 2025، وإيترنيتي سي في 9 يوليو 2025.
وقد أطلقت قواتها المسلحة، بفضل الله وتأييده، أكثر من 1,250 صاروخاً ومسيّرة إلى عمق الكيان، واستهدفت بـ430 عملية، أكثر من 245 قطعة بحرية تجارية وحربية تابعة لأمريكا وبريطانيا و"إسرائيل"، في البحرين: الأحمر، والعربي، والمحيط الهندي.
الأمر المحسوم وفق رؤيتها كمحللة سياسية وإستراتيجية في جامعة غربية مشهورة، مثل "كامبريدج"، هو: "أن استقرار الشرق الأوسط يظل بعيد المنال بدون حلٍ عادلٍ للقضية الفلسطينية، لأن اتفاقيات التطبيع لا تمثل السلام الحقيقي، وأنه لا يمكن خداع الشعوب العربية بالصفقات بين الحكومات".
خلاصة حوارها مع "إنجلسبيرج"، يؤكد: "أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي وتوسيع مشاريعه الاستيطانية على أرض فلسطين المحتلة يجعل مفاوضات حل الدولتين أشبه بالوهم، ما لم تُحلّ القضية المركزية لفلسطين التي تحرك عواطف الشعوب العربية والإسلامية وتُشعل جذوة الصراع في المنطقة".

