يعيش اليمن اليوم حالة حرب تتقاتل فيها ثلاث قوى من أجل السلطة، ونتيجة لذلك، وقعت مدينة عدن العاصمة المؤقتة للبلد في مستنقع الحرب, بعد أن تمكن الحوثيين من الاستيلاء على صنعاء العاصمة في وقت سابق.

بقلم: جان بول باكست

(صحيفة “مدونة ميديا بارت- blogs.mediapart” الفرنسية, ترجمة:أسماء بجاش-سبأ)

أصبح اليمن ساحة حرباً تتقاتل فيه ثلاث قوى: التحالف العربي تحت راية المملكة العربية السعودية وبقيادة الأمير محمد بن سلمان، الحركة الانفصالية في جنوب اليمن ومتمردي الشمال والمعروفين أيضاً باسم جماعة الحوثي, بالإضافة إلى ذلك, يوجد “الحزام الأمني” إلى جانب الحركة الإنفصالية “المجلس الانتقالي الجنوبي”.

تم تدريب وتجهيز قوات الحزام الأمني من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة, ووفقاً للبيان الذي أصدره في يوليو مسؤول رفيع في أبو ظبي، عاصمة الدولة، فإن هذه القوات يمكن أن يصل قوامها إلى 90 الف مقاتل، وهذا عدد كبير من القوات في اليمن.

لا تزال الحركة الحوثية بعيده عن العاصمة المؤقتة عدن, في حين تعاني المدينة من ناحية أخرى منذ ما يقرب من شهر من اشتباكات عنيفة بين القوات الموالية للتحالف العربي والمجلس الانتقالي, فقد تم تحويل المدينة إلى ساحة حربٍ ضروس, ينتشر في  أرجاء المدينة الدمار والموت, وإلى جانب المعارك البرية، يستمر الطيران السعودي في شن غاراته الجوية, إذ يبدو أن هدافه المفضلة هي ما تبقى من المستشفيات, حيث تم إجلاء طواقم عمل “المنظمات الإنسانية”، بما في ذلك منظمة أطباء بلا حدود عن طريق البحر.

على مدى السنوات الأربع الماضية, كانت القوات الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي الذي يعيش في المنفى في العاصمة السعودية الرياض، حيث اخذت الاخيرة على عاتقها تقديم الدعم الكامل لقوات هادي, والحركة الانفصالية في جنوب اليمن والتي تتلاقى الدعم بدورها من الإمارات العربية المتحدة, من الناحية النظرية متحالفة ضد الحركة الحوثية التي تسيطر على صنعاء والأراضي الهامة في المناطق الشمالية والغربية من البلد.

ولكن مع حلول أوائل أغسطس 2019, لم يعد تحالفهم قائماً, حيث تعرضت مدينة عدن إلى هجومين منفصلين, تسبب الهجوم الصاروخي المزدوج الاول الذي شنه الحوثيون بطائرة مسيرة وصاروخ باليستي والذي استهدف حفل تخرج ضباط في معسكر الجلاء الواقع غرب مدينة عدن, إلى تدهور الوضع في المدينة بسرعة, إذ أسفر الهجوم عن سقوط 50 جندياً وشرطياً ينتمون إلى قوة ما يعرف بالحزام الأمني, الجناح المسلح للحركة الانفصالية: المجلس الانتقالي الجنوبي (STC).

أثار الهجوم المزدوج رد فعل عنيفاً من جانب الانفصاليين, ولاسيما وأن اللواء منير اليافعي والمعروف باسم “أبو اليمامة”، وهو مسؤول كبير من الجنوب يتلقى الدعم من دولة الإمارات كان من بين الضحايا.

ومن جانبها, تبنت أحدى الجماعات الجهادية والمقربة من الرئيس هادي احد الهجومين, ويبدو أن لقوات منصور هادي علاقات مختلفة.

استولت قوات “الحزام الأمني” على عدن، وعملت على طرد حلفائها والممثلة في قوات “الرئيس” هادي, إذ تحظى هذه القوات بدعم القوات الاماراتية ولا سيما قواتها الجوية التي قتلت غاراتها عشرات الافراد من القوات الحكومية, في حين تدعي دولة الإمارات أنها استهدفت “الميليشيات الإرهابية”, مشيرة إلى أن تصرفها جاء من منطلق “شرعي”.

نتج عن عملية السيطرة على مدينة عدن العديد من عمليات النهب التي لا حصر لها للمحلات التجارية والمخازن, كما تم اللقاء القبض على العديد من مؤيدي الرئيس هادي والزعماء السياسيين والدينيين، بتهم تتعلق بالإرهاب.

وبالتالي, فهذه الحرب أضحت جبهة ثانية فتحت في اليمن، وهي حرب أهلية في قلب حرب أهلية، لا تتعلق بمدينة عدن فحسب، بل أيضاً بمحافظات جنوب اليمن, وبالأخص محافظات أبين وشبوة.

في نهاية أغسطس، وعلى الرغم من كل تلك الصعاب التي عاشتها عدن, تمكنت القوات الحكومية من استعادت السيطرة على القصر الرئاسي في المدينة و كامل المحافظة من قبضة الانفصاليين الجنوبيين لفترة وجيزة.

إن ما يجري في العاصمة المؤقتة عدن هو أكثر بكثير من حلقة أخرى في مسلسل  الحرب اليمنية, حيث يقف خلفها صراع بين السعودية وإيران, وبهذه الخطوة فإن الاستيلاء على عدن التي يبلغ عدد سكانها ما يقرب من مليون نسمة هو دليل قاطع على تفكك المعسكر المناهض للحركة الحوثية.

ونتيجة لذلك، فإن الفوضى السائدة الآن في العاصمة المؤقتة عدن للحكومة اليمنية بعد استيلاء المتمردين الحوثيين على العاصمة الفعلية صنعاء، تجعل من شرعية الرئيس هادي من جهة أكثر خطورة، حيث لا تزال حكومته تتمتع باعتراف المجتمع الدولي, ومن جهة ثانية, سوف تستفيد الحركة الحوثية من هذا الضعف الذي ألم بخصومهم، حيث سيتمكن الحوثيون من تعزيز قبضتهم على المناطق التي يسيطرون عليها.

ثم، فإن الفجوة التي ظهرت في الأشهر الأخيرة بين ولي عهد دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية اللذين يقودان الحرب في اليمن -محمد بن زايد ومحمد بن سلمان- من المرجح أن تتسع أكثر من ذلك بقليل, فالأول يرى في أن هذه الحرب لا يمكن كسبها، في حين ينوي الثاني متابعتها بأي ثمن.

يملك اليمن موقعاً استراتيجياً مطل على البحر الأحمر وبحر العرب, يمكن من حيث المبدأ أن لم تكن السيطرة على حركة النقل البحري الهامة في هذه البحار، فعلى الأقل يمكن الحصول على تعويض مقابل حيادها, كما لا يزال من المستحيل حتى الآن التنبؤ بمن ستنجح القوى المختلفة الموجودة على الارض الواقع في إقامة نفسها في هذا البلد.

* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.