بقلم رئيس التحرير: ديفيد هيرست

(موقع “ميدل أس أي-middleeasteye” البريطاني النسخة الفرنسية, ترجمة:أسماء بجاش-سبأ)

بعد مرور أكثر من أسبوعين على إعلان الهند  قرر حرمان إقليم كشمير من وضعه شبه المتمتع بالحكم الذاتي، وصل رئيس الوزراء الهندي “ناريندرا مودي” إلى العاصمة الإماراتية أبو ظبي, حيث تُوج بوسام زايد, وهو أعلى وسام تمنحه دولة الأمارات العربية المتحدة الدولة الصغيرة لملوك ورؤساء وقادة الدول.

يقف وراء هذه المبادرة المثالية التي تنتهجها ” سبارتا الخليج الصغيرة”, على الصعيد التجاري, مدى تصميمها على تأسيس إمبراطوريتها البحرية الخاصة والتي تمتد من اليمن إلى القرن الإفريقي والمحيط الهندي وما وراءه.

تعد الهند ثالث أكبر مستهلك للطاقة في العالم, في حين صنفت ايضاً ثاني أكبر شريك تجاري لدولة الإمارات.

ولكن لماذا يجب على ابو ظبي رعاية سبعة ملايين شخص في كشمير الخاضعة للإدارة الهندية، وهي منطقة تخضع لنزاع معترف به من قبل المجتمع الدولي، والذي من المفترض أن تتم معاملته الآن على أساس أنه “مسألة داخلية” من قبل الحكومة الهندية؟ وبالتالي ينبغي لحليفتها وسيدتها المملكة العربية السعودية، أن تعي ذلك, بيد أن هذه ليست بالمهمة السهلة بالنسبة لآل سعود الذين يستندون في فرض شرعيتهم على فكرة تقديم أنفسهم كصوت للمسلمين، بما في ذلك أربعة ملايين مسلم يعيشون في وادي كشمير.

مصائد الفيلة      

إن طريق الإماراتيين إلى أسواق الهند التي لا نهاية لها محفوف بمصائد الفيلة التي نصبت لجارتها “المملكة العربية السعودية”, والتي تبدأ من الفِناء الخلفي للرياض، والمتمثل في اليمن.

ومن الواضح أن الاستراتيجيات الإماراتية والسعودية في هذا البلد الذي دمره كِلا الدولتين, عندما اخذوا على عاتقهما صد الحركة الحوثية قد تباينت, حيث يقوم كلاهما بتدريب وتمويل الميليشيات المحلية, لكن السعوديين يريدون توجيه كافة الجهود نحو المناطق الشمالية التي يتم من خلالها شن جميع الهجمات ضد القواعد الجوية والمطارات والبنية التحتية للنفط في المملكة العربية السعودية.

وبعد محاولات عابثة نسجها صناع القرار الإماراتيون لإحياء نظام الديكتاتور اليمني السابق علي عبد الله صالح من خلال ابنه، اختاروا السير على نهج إستراتيجية أخرى, فمع إعادة نشر قواتها على نطاق واسع، عملت دولة الإمارات على تقديم الدعم الكامل بكل وضوح للمجلس الانتقالي الجنوبي المنادي بانفصال جنوب اليمن.

وبدعم من دولة الأمارات، استولت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي على مدينة عدن الساحلية، حيث تقوم الآن بإعادة تجميع صفوفها وزحف نحو عدد من المواقع العسكرية في محافظة أبين المتاخمة لمدينة عدن والموالية للرئيس اليمني المنفي عبد ربه منصور هادي.

حتى وسط ضباب الحرب التي تخيم على المنطقة, والمصفوفة المتغيرة باستمرار للولاء القبلي، لا يوجد الآن أدنى شك فيما يجري في عدن, فقبل “ترحيله” من مدينة عدن، نشر وزير الداخلية في حكومة الرئيس “هادي”، “أحمد الميسري”، شريط فيديو, قال فيه:” نهنئ الأشقاء في دولة الإمارات العربية المتحدة بالنصر المبين علينا, نحن نغادر ولكننا سنعود, نحن نتحدث إليكم من عدن، ففي غضون ساعة أو ساعتين سوف نتوجه إلى مطار عدن برعاية الاشقاء في المملكة العربية السعودية لترحيلنا إلى الرياض, كما أود أن أوجه رسالة للقيادات الانتقالية: شكراً على حسن أخلاقكم, في نهب منازلنا وسياراتنا وممتلكاتنا الخاصة.

كما قال الميسري إن عملية الاستيلاء على عدن من قبل الانفصاليين تم من خلال تعزيزهم بـ 400 مركبة مدرعة يقودها مرتزقة بناء على الاوامر التي يتلقونها من ابو ظبي.

عين على الحديدة

قد لا يكون ميناء مدينة عدن الجنوبي هو الوحيد الذي سيسقط في أيدي القوات الانفصالية التي تمولها الإمارات, حيث أشار الدكتور “محمد الروميحي” وهو محلل سياسي كويتي يكتب في صحيفة الشرق الأوسط السعودية، إلى أن تفكك اليمن التي وصفها بأنها في حالة حرب دائمة أمر جيد, مضيفاً, إذا كانت لدينا جمهورية حقيقية في الجنوب تفتح الطريق أمام بناء دولة حديثة، فستكون قادرة على السيطرة على المنطقة الجنوبية وحماية البحر الأحمر ومضيق باب المندب, فهذه هي المحطتان الرئيسيتان للشحن الدولي, كما سيسمح ذلك في منع المنظمات الإرهابية مثل القاعدة والدولة الإسلامية من ملئ الفراغ السياسي.

رجل يحمل صورة الملك سلمان وسط حشد من المؤيدين للمجلس الانتقالي الجنوبي يلوحون بأعلام جنوب اليمن السابق/وكالة الصحافة الفرنسية

كما وصف المحلل “الروميحي” والمتحمس لمشروع تقسيم اليمن, أن ميناء الحديدة الشمالي يعتبر الخطوة التالية للانفصاليين في الجنوب, وإذا ضمن الجنوب ميناء الحديدة, فسيكون الشمال قادراً بعد ذلك على إيجاد آليته الخاصة التي تضمن درجة معينة من الاستقرار, مع ما يرغب فيه قاطني المناطق الجبلية, وهذا يرقى إلى سياسة ترك تعفن شمال اليمن الذي استحال غزوه.

وهل هذا سيصب في مصلحة الرياض، التي تكافح  بالفعل لحماية مطاراتها وقواعدها العسكرية من الطائرات الحربية بدون طيار والصواريخ الحوثية التي وصلت إلى عمق المملكة؟

وإلى جانب ذلك, من الذي أرسل قواته “في مهمة تدريب وإسداء المشورة” لحماية الأسرة الحاكمة السعودية؟ بالطبع، باكستان.

عداء تاريخي

إن ثقة الإماراتيين في اتباع استراتيجيات تختلف صراحة عن تلك الإستراتيجيات التي تتبعها الرياض, ما هي إلا ظاهرة حديثة نسبياً في العلاقات بين دولتين في شبه الجزيرة العربية.

وكما يرى الكاتب “هلال خشان” أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية في بيروت، أن السعودية والإمارات عانتا طيلة عقود من العداء حول النزاعات البرية والبحرية والتنافس بين آل زايد و آل سعود, فعندما رأت دولة الإمارات العربية المتحدة النور لأول مرة في ديسمبر من العام 1971, حققت الرياض هدفها المتمثل في استبعاد كلاً من قطر والبحرين من الدولة الفيدرالية الجديدة, كما مارس السعوديين ضغوطات شديدة على الإمارات مما أجبراها على توقيع معاهدة جدة في العام 1974, والذي منحها الحق في خور العديد الداخلي الذي يربطها بقطر, حيث رفضت الرياض الاعتراف باستقلال دولة الإمارات العربية المتحدة إلى أن وقع رئيسها زايد بن سلطان على تلك المعاهدة تحت الإكراه, رغم أن الإمارات لم تصادق على المعاهدة بعد.

توالت السنون, واعتلى خليفة بن زايد سدة الحكم في دولة الإمارات في العام 2004, حينها قام بزيارة للعاصمة السعودية الرياض وطالب بإلغاء تلك المعاهدة، مما أدى إلى إشعال أزمة عميقة بين الدولتين استغرقت ست سنوات للتهدئة.

وعندما وصل الأمير السعودي الشاب والمتعطش للسلطة “محمد بن سلمان” سارع الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي الأكبر سناً والأكثر حكمة في اغتنام الفرصة.

فبفضله وسفيره لدى الولايات المتحدة الأمريكية يوسف العتيبة، وليس بفضل المؤسسة السعودية، تم تعبيد الطريق المؤدي إلى باب المكتب البيضاوي أمام “محمد بن سلمان” كما ذكرت في تقارير سابقة.

وهذا لا يعفي ولي العهد السعودي من أي دور أو مسؤولية عن حالة الإرهاب الذي أغرق فيه المملكة، فمع وصوله إلى السلطة خيمت عمليات الاعتقال والتعذيب والابتزاز للمعارضين السياسيين ومنافسيه من افراد الأسرة الحاكمة, حيث تشدق في كل ذلك بحجة “مكافحة الفساد” و”التحديث”.

لكن حقيقة أن محمد بن سلمان محاط الآن بأتباع موالين أساساً لولي عهد أبو ظبي لم تعد خافية عن أفراد الأسرة المالكة.

وحتى لو كان أميرهم المنقاد يسيطر تماماً على الأسرة الحاكمة والمملكة، فإن صناع القرار في الإمارات يراقبون عن كثب الشؤون في الرياض, كما إنهم يرصدون أدنى انحراف عن العقيدة.

التبعية السعودية

يشير تقريرُ شهري محدود التوزيع حول المملكة العربية السعودية، أعده مركز السياسة الإماراتي، وهو مركز أبحاث له صلات وثيقة بحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة والمخابرات، إلى مدى انجذاب السعوديين للسياسة الأمريكية المتأرجحة  تجاه طهران, إذ يشير التقرير إلى أنه على الرغم من أن [المملكة العربية السعودية] كانت ناجحة في استضافة قمم مكة  الثلاث خلال شهر مايو، إلا أن  حساباتها المتعلقة بالشأن الإيراني كانت غامضة إلى حد ما, ويعزى ذلك إلى اعتماد الرياض على الموقف الأميركي.

أصبح الموقف السعودي قوياً وشديداً عندما استخدمت الإدارة الأمريكية لهجة صارمة ضد إيران, ومع ذلك، انخفضت حدة تلك النبرة السعودية عندما أصر صناع القرار الأمريكيون على المسار الدبلوماسي … عندئذ تبنت الرياض موقفاً متشدداً في إدانة وتهديد إيران، كما كان واضحا خلال تلك القمم.

وبشكل واضح, يدرك القادة الإماراتيون حالة الضعف والوهن التي يعاني منها الحليف السعودي, إلا أنهم اختاروا التقليل من احترامهم, ومع ذلك، يلعب الإماراتيون لعبة الروليت الروسية “القمار” الخطرة مع محمد بن سلمان.

أقام ولي العهد السعودي صِلات المباشرة مع إسرائيل تحت وصاية محمد بن زايد، حيث حاد عن طريقه متجاهلاً القضية الفلسطينية.

إن التخلي الحكومة السعودية عن كشمير لا يختلف عن سياستها المتبعة تجاه فلسطين, ففي وقت سابق, أشار ولي العهد السعودي إلى أن على الفلسطينيين أن يتعلموا كيف يصبحوا “إسرائيليين صالحين”.

عَلم ولي عهد أبو ظبي تلميذه السعودي المطيع أن يتجاهل مشاعر المسلمين, ليس هذا فحسب, بل حثه على تجاهل الإرث السعودي, ولكن مثل هذه القضايا الثقيلة يصعب التخلي عنها بالنسبة للحكومة السعودية, والثمن الذي يجب دفعه في العالم العربي والإسلامي باهض للغاية, حيث لن يتم الحصول على هذا الثمن من دولة صغيرة مثل دولة الإمارات، ولكن من الأحرى أن تكون دولة مثل المملكة العربية السعودية حيث تزداد ضعفا كل عام بسبب سوء الإدارة.

وبمجرد أن تفهم الولايات المتحدة الأمريكية أن محمد بن سلمان يشكل عائقاً أمام المصالح العسكرية والإستراتيجية الأمريكية في منطقة الخليج، فسوف ينتهي الأمر, حيث يعتقد بعض السعوديين المقربين من العائلة المالكة أن ذلك قد يحدث قبل أن يتربع الامير محمد بن سلمان على عرش المملكة, حينها ستصبح الرهانات مفتوحة للإماراتيين, وقد تعود الأمور بينهما عما كانت عليه في أقرب وقت مما كان يعتقد محمد بن زايد.

* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.