السياسية || صلاح المقداد *

في تاريخ الدول والأمم هُناك مرحلة مفصلية حرجة يمكن تسميتها ووصفها اصطلاحًا بـ"نقطة اللاعودة واللارجوع"، وعندها تصل تلك الدولة أو هذه الأمة إليها رغم أنفها وتمر بما تمر به في تاريخها مروراً اضطراريًا لم تختاره هي لنفسها، ويترتب على مرورها القسري هذا الكثير من المصاعب والمتاعب والتداعيات الخطيرة عنوةً، ثم يتحدد على إثر هذا الذي لم يكن بالحُسبان بالنسبة لها مصيرها وبقائها من عدمه لا سيما إذا طال بها الأمد وعاثت ردحًا طويلاً من الزمن فساداً في الأرض.

وهذا على سبيل المثال لا الحصر ما ينطبق حرفيًا شأنًا وحالاً على الولايات المتحدة الأمريكية التي ضربت الرقم القياسي العالمي في البغي والإرهاب والإجرام وتجاوزت بكل هذا وسواه كل المحاذير والمحظورات المُتعارف عليها عند البشر، وهي تلك الدولة المارقة الشريرة التي تأسست وقامت على باطل تحرص بسلوكياتها المُنحرفة والغير سوية على تجسيده والإنتماء إليه وتمثيله في كل ما يعنِيه ويترتب عنه، ولا تتحرج من أن تكون رمزه وممثله الوحيد في هذا العالم، أو تخجل من لعب أدواره الشريرة على مسرح الأحداث في التاريخ بإحترافية عالية واقتدار عجيب ! .

ولا غضاضة من أن نتوقف مليًا بالتحليل والإستعراض وسبر أغوار حالة مرضية تكاد تكون فريدة من نوعها، ونتعرف بالتالي على انموذج استثنائي للشر والإجرام والإرهاب واستعمار واستعباد الشعوب والدول ممثلاً هُنا بأمريكا وما أدراك ما أمريكا ؟! .

وعلينا ايجاد الإجابات الشافية المُتعلقة بتلك الأسئلة المُثارة عن تلك الحالة والنموذج الأمريكي وتقديم الصورة الأوضح عنه بما يتوفر لدينا من معلومات وحقائق تاريخية ثابتة ومُسلم بها.

وبالرجوع إلى التاريخ وما تضمنه عن هذه الإمبراطورية الإستعمارية الغاشمة الكاسحة التي تأسست في قارة أمريكا الشمالية قبل 250 عامًا على أيدي المستعمرين الغربيين البيض الذين قدموا من بلدانهم الأوروبية في أعقاب اكذوبة "الكشوفات الجغرافية" التي روجوا لها طويلاً وتولوا تسويقها للعالم حتى صدقها، فسوف تتكشف لنا حقيقة صادمة أشبه ما تكون بالفاجعة عن تلك الدولة التي قامت على جماجم ملايين البشر من الهنود الحمر الذين تم قتلهم وإبادتهم بدمٍ بارد، وتأسست على أنقاض عمرانهم وحضارتهم ووجودهم على أرضٍ كانوا يمتلكونها قبل قدوم من أغتصبوها منهم وتملكوها بالقوة، وتصبح خالصةً لهم بعد ذلك وينقرض السكان الأصليين لتلك البلاد والأرجاء ويطويهم النسيان كأن لم يكونوا بها في يومٍ من الأيام .

ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن أمريكا التي استهلت جرائمها على الأرض بقتل أكثر من 100 مليون من الهنود الحمر وسرقت أرضهم ووطنهم، وعُرفت منذ ظهورها وبروزها بشكل خاص ولافت على الساحة الدولية في الحرب العالمية الثانية، قد اشتركت بشكل مباشر وغير مباشر بقتل الملايين من أبناء الشعوب والدول في مناطق متفرقة من العالم.

وكانت أمريكا الفاجرة المُستكبرة ضالعة ومنغمسة ومتورطة في أكثر من حرب ونزاع مسلح هنا وهناك.

وفي تاريخ الإنسانية الحديث والمعاصر ما يؤكد افتعال الولايات المتحدة وضلوعها في نحو 2300 من الحروب والنزاعات المسلحة الكارثية في مناطق مختلفة ومتفرقة من العالم تسببت جميعها في مآسي وكوارث إنسانية فظيعة ومقتل الملايين من البشر وذلك خلال الفترة ما بين 1816 - 2001م بالتحديد.

وتلك الجرائم المروعة والحروب العبثية لا تعفي أمريكا من مسؤوليتها التاريخية والأخلاقية لا سيما وقد تسببت في سقوط الآلاف والملايين ضحايا حروب وصراعات محمومة افتعلتها واشتركت هي فيها بطريقة مباشرة وغير مباشرة من أجل مصالحها ومصالحها فقط بنظرها هي الأولى والأجدى والأهم بأن تُرعى على ما عداها.

ولأنها استهلت وجودها بسلسلة جرائم حرب إبادة للملايين من البشر وسرقت أرضهم وثروات بلادهم، واستمرت حتى الآن فيما دأبت وأعتادت عليه من ارهاب وإجرام بحق الغير، فقد استنفدت بهذا وغيره كل العوامل والأسباب المعقولة والمقبولة لبقائها واستمرارها ككيان استعماري عالمي انتقل إليه ميراث الغرب بكل مساوئه وعلاته.

وتتسق الآراء أن أمريكا وصلت بكل ما أتت به من شر وطرق عدوانية اليوم إلى حافة الهاوية ونقطة اللاعودة والرجوع من الإنتكاس، وبدت هذه الدولة والقوة العظمى الباغية أقرب إلى السقوط والإنهيار والإضمحلال أكثر من أي وقت مضى، كما بدت حضارتها المفلسة أخلاقيًا في المقابل وبالتوازي مع ما ينتظرها من خيبة وخسران مبين حاليًا قاب قوسين أو أدنى من سقوطها المريع والمحتم، والمسألة مسألة وقت لا أقل ولا أكثر.

ولنا أن نتصور ونتخيل عالمًا أفضل يكون نقيًا جميلاً آمنًا ليس فيه أمريكا هذا "الشيطان الأكبر" كما وصفها قائد الثورة الإيرانية آية الله الخميني، وهي بالفعل كذلك بل وأخطر وأشد شيطنةً من إبليس الرجيم نفسه قبحه الله وإياها وعليهما لعنات السماء والأرض دائمًا وأبدا ! .

*المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب