اليمن مقبرة الغزاة: عندما تُهزم القوة العسكرية بالإرادة الإلهية
السياسية || الشيخ وضاح بن مسعود *
في عالمٍ تُقاس فيه القوة بعدد الطائرات الحربية والحاملات البحرية والقاذفات الجوية، وتُفرض فيه الهيمنة بقوة النار والحديد، يبرز سؤالٌ مصيري: هل يمكن للعقيدة والإيمان أن يهزما أعتى الجيوش؟ التاريخ يجيب بنعم، واليمن خير شاهد.
فهذه الأرض المباركة، التي تُعدُّ من أقدم مواطن الحضارة الإنسانية، واشتهرت عبر العصور ب مقبرة الغزاة، تدفن في رمالها وأوديتها وبحارها غرورَ الإمبراطوريات، وتُثبت أن النصر ليس حكراً على من يملك أحدث الأسلحة والتجهيزات العسكرية، بل على من يمتلك إرادةً لا تنكسر، وإيماناً لا يهتز.
اليمن في مواجهة الإمبراطوريات: سجلٌّ حافل بإذلال الغزاة
الأتراك: عندما خرجوا يندبون "اليمن لا يُحكم"
حاول العثمانيون احتلال اليمن مرتين: الأولى في القرن السادس عشر، والثانية في القرن التاسع عشر. وفي المرتين، خرجوا منهزمين، بعد أن أهلكتهم المقاومة اليمنية التي مزجت بين .. الكفاح المسلح.. والحرب النفسية. حتى قيل إن السلطان العثماني كان يردد: "حكم اليمن مستحيل!" بعد أن تحولت حملاته إلى مصيدة دموية أودت بحياة عشرات الآلاف من جنوده.
البريطانيون: الهزيمة في عدن رغم "الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس"
في القرن التاسع عشر، احتل البريطانيون عدن، وحاولوا بسط نفوذهم على اليمن، لكنهم اصطدموا بمقاومة عنيفة من القبائل اليمنية حتى أن المؤرخين البريطانيين أنفسهم اعترفوا بأن اليمنيين كانوا أشرس خصومهم، فانسحبوا في النهاية، تاركين وراءهم درساً واضحاً: اليمن لا يُستعمر
تحالف العدوان السعودي الأمريكي ومعهم 17 دولة في عدوان وحصار استمر ثمان سنوات لم يحقق اي انتصار على أرض الواقع غير عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى حتى أتت الهدنه الأممية لتكون طوق النجاه للسعودية وتحالف العدوان.
الأمريكيون والصهاينة: عندما تحولت الترسانة العسكرية إلى "فخٍّ مكلف"
في العصر الحديث، توالت الهجمات الأمريكية والصهيونية المباشرة وغير المباشرة على اليمن، سواء عبر الحروب بالوكالة أو عبر الحصار الاقتصادي لكن المفارقة أن اليمن، رغم فقره وشحة الإمكانيات الا انه اثبت انه شعب لا يقهر وصنع من المستحيل وبايدي يمنية وإمكانيات بسيطة ما يمكنه من التصدي والردع والوقوف في وجه اكبر إمكانيات عسكرية في العالم، استطاع بفضل الله أن يقلب المعادلة ويصنع المتغيرات ويغير منهاجية الحروب البحرية والبرية وبشجاعة وبسالة منقطعة النظير شهد لها اكبر قادة الحروب وخبرائها.
- أسقط احدث الطائرات الأمريكية المسيرة MQ9
- بأسلحة صُنعت محليا
- هاجم ناقلات النفط الأمريكية والإسرائيلية في البحر الأحمر والعربي مُحدثاً زلزالاً في الاقتصاد العالمي وخسائر بمليارات الدولارات.
- هاجم عمق الكيان الصهيوني المحتل بأحدث الصواريخ الفرط صوتية والطائرات المسيرة (محلية الصُنع) مخترقة رادارات العدو الإسرائيلي.
كل هذا يؤكد أن القوة الحقيقية لا تقاس بالعدد والعدة، بل بالعزيمة والإيمان.
لماذا اليمن "مقبرة الغزاة"؟ سرٌّ إلهي أم استراتيجي؟
الجغرافيا: الجبال والصحاري
تمتلك اليمن تضاريس قاسية، من جبال وعرة إلى صحاري ممتدة، مما يحولها إلى مقبرة طبيعية لكل الطامعين فالتكنولوجيا العسكرية الحديثة تصبح عديمة الفائدة أمام مقاتلين يعرفون كل شبر في أرضهم، وبحارهم مستعينين بقوة الله القوي الجبار تحت قيادة ربانية قرآنية ممثلة بقائد الأمة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي يحفظه الله.
العامل النفسي: شعب لا يعرف الخوف
اليمنيون، بفعل تاريخهم الطويل في المقاومة، تربوا على ثقافة الموت في سبيل الكرامة فالشهادة عندهم ليست خسارة، بل انتصارٌ مؤجل هذه العقلية تجعل الغازي يفقد أهم أسلحته: الرهبة.
العقيدة: عندما يكون الإيمان سلاحاً لا يُقهَر
أهم عنصر في معادلة الصمود اليمني هو الإيمان بالله والتوكل عليه فالمقاتل الذي يعتقد أن النصر من عند الله لا يهزم نفسياً أبداً وهذا ما يفسر كيف أن فئة قليلة من المجاهدين تنتصر على جيوش جرارة، كما حدث في معارك التاريخ الإسلامية.
اليمن وتغيير موازين القوى العالمية: نهاية الهيمنة الأمريكية؟
اليوم، اليمن ليس مجرد ساحة حرب محلية، بل أصبح نقطة تحول في الصراع العالمي فتصديه للتحالف الأمريكي-الصهيوني-الخليجي يكشف زيف نظرية "القوة العظمى" ويُظهر أن:
-أمريكا لم تعد قادرة على حسم الحروب .. حتى ضد دول فقيرة العقوبات الاقتصادية لم تعد تُجدي أمام شعوب ترفض الاستسلام
لأن المواجهة بالتوكل على الله يمكنها إعادة رسم الخريطة الجيوسياسية.
وإذا كانت فيتنام قد أنهت أسطورة "الجيش الأمريكي الذي لا يُهزم" في القرن العشرين، فإن اليمن يسير على نفس الهدف في القرن الحادي والعشرين، ليُعلن للعالم أن عصر الهيمنة الأمريكية يقترب من نهايته.
الدرس اليمني للعالم: النصر ليس بالسلاح، بل بالإرادة
لقد قدم اليمن للعالم نموذجاً فريداً في الصمود والتحدي وأثبت أن: القوة المادية زائلة أما قوة الإيمان فدائمة.
العدو يُهزم عندما يفقد ثقته في أسلحته .. وليس عندما نفقد نحن أسلحتنا الأمة التي ترفض المذلة لا تُقهر، مهما بلغت قوة أعدائها.
فليعتبر الجميع: اليمن ليس أرضاً تُغزى، بل هي مقبرةٌ للغزاة.
{وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}
والعاقبة للمتقين.
* 8 شوال 1446هـ
* المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب