إيهاب زكي*

كعادة العدو في ممارسة الكذب البواح، يعلن تجديد العدوان الذي استمر على غزة، حتى في ظل اتفاق وقف النار، تحت ذريعة استعادة أسراه، وهي ذريعة كاذبة وغير حقيقية، حيث إنّ أسراه كانوا يتقاطرون نحو فلسطين المحتلة حسب الاتفاق، وكان سيظل هذا التقاطر ساريًا مستمرًا، فيما لو التزم الكيان بشروط الاتفاق وبنوده التي وقّع عليها، وعودة العدوان تحت هذه الذريعة، تعني أنّها ذريعة ساقطة وكاذبة.

ولكن بعيدًا عن ذرائع العدو الكاذبة، فقد دخلنا طورًا آخر من أطوار الحرب، فمنذ اليوم الأول في السابع من تشرين أول/ أكتوبر، كان واضحًا أنّها حربٌ بدأت ولن تنتهي، وإن اختلفت أطوارها، إذ إنّ الولايات المتحدة والكيان اعتبرا الطوفان حربًا وجودية، وأنّ التعامل معها من غير هذا المنظور، يعني حتمية الهزيمة كمقدمةٍ للزوال، وبالتالي تراجع الهيمنة الأمريكية على المنطقة بل والعالم، حيث يشكّل الكيان ذروة سنام المشاريع الاستعمارية ودرة تاجها.
اللافت في هذا الطور من أطوار الحرب، هو استباق استعادة العدوان على غزة، بعدوانٍ أمريكيٍ على اليمن، وهو ما يشي بأنّ الجبهة اليمنية مؤثرة فعلًا، في صيرورة اتخاذ القرارات الإستراتيجية"إسرائيليًا" وأمريكيًا، حيث إنّ الولايات المتحدة تكفلت إضعاف هذه الجبهة، ليكون أثرها في الحدود الدنيا، في قرار استعادة العدوان على غزة، ومن جهةٍ أخرى فهي حربٌ أمريكية أصيلة، لها علاقة بالهيمنة الأمريكية وقدرتها على الردع واستمرار نفوذها وتعظيمه.

كذلك تزامنت عودة العدوان على غزة، مع عدوان متكرر على لبنان، مع تزامنٍ ليس مبرءًا، لاشتباكاتٍ مفتعلة على الحدود اللبنانية السورية، اشتباكات رغم نفي حزب الله القاطع لأيّ دورٍ له فيها، فإنّ هناك إصرارًا مبتذلاً من المعتدين، كما من إعلام النفط، على إقحام الحزب واسمه في تفاصيلها، وهي محاولات دؤوبة لإعادة التصويب على حزب الله، لإعادة الشحن الطائفي لحاضر الوعي العربي، بعد أن غاب الأمر وتم تغييبه على أثر معركة الإسناد.

وهي محاولات تستهدف استغلال النشوة الكاذبة، بما يسمى انتصار الثورة السورية وسقوط "النظام"، نشوة الفترة الفاصلة بين وهم سقوط "النظام"، وبين اكتشاف العقل العربي أنّ سورية كلها هي التي سقطت، حيث إنّ المجاميع التي تدير الواقع في سورية، لا يمكن إلّا أن تكون على طبيعتها، ولا يمكن إلّا أن تتصرف بعين طبعها، مهما حاولت التكلف أو التزلف.

وليس بعيدًا عن تهيئة كل هذه الأجواء لإعادة العدوان، الشركاء العرب الذين اجتمعوا في قمتهم، واستهلكوا الكثير من الحبر، لكتابة بيان ختامي لم يرَ النور بعد، إذ لم يغادر تأثيره قاعتهم الوثيرة، لكنهم في حقيقة الأمر جزءٌ لا يتجزأ من العدوان.

فالحصار المفروض على قطاع غزة، ليس إلّا صنيعة أياديهم، كمساهمةٍ ذليلة في المجهود الحربي للكيان، وفي الوقت الذي كانوا يبقبقون فيه بكسر الحصار عن غزة، كان اليمن يغلق البحر الأحمر في وجه الملاحة "الإسرائيلية"، فيتصايحون عليه بتهم الإرهاب وعرقلة الملاحة الدولية، ولكن لا نعرف حتى اللحظة كيف سيتصرف اليمن، في حال ثبت بالقطع أنّ العدوان عليه تُستخدم فيه أراضٍ عربية، وهل سيكون ردّ فعله مدخلًا لحربٍ أوسع؟

وسؤالٌ آخر لا يزال معلقًا، هل يكون التحريض على إيران مقدمة للعدوان عليها، كجزءٍ من المخطط الأمريكي الصهيوني لتغيير الشرق الأوسط؟ وهل تعتبر الولايات المتحدة أنّ منح روسيا مكاسب في أوكرانيا عبر التوصل لوقف الحرب، مقدمة تستحق تخليًا روسيًا عن الشرق الأوسط، وبالتالي يغدو العدوان على إيران بلا تداعيات دولية، أو كما قال مؤخرًا ألكسندر دوغين، "إنّ روسيا لن تسمح إطلاقًا بالعدوان على إيران".

أمّا في غزة فهذه لن تكون آخر محاولات الإخضاع، وقد قال وزير حرب العدو لرئيس أركانه الجديد: "إن سقف هليفي يجب أن يكون هو أرضيتك"، وبالتالي فإنّ غزة ستعاني لكنها ستتمسك بموقفها الذي لا يمكن التراجع عنه، فالتراجع يعني الاستسلام المطبق، وبالتالي تنفيذ كل المشاريع المعدّة سلفًا، فماذا سيفعل العالم في غزة التي لا تريد أن تموت؟.

* المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب ـ موقع العهد الاخباري