السياسية || محمد محسن الجوهري*

يحتفل أذناب واشنطن في المنطقة بالغارات الصهيو-أمريكية على اليمن، متناسين أن هذه الجولة من العدوان ليست الأولى ولن تكون الأخيرة. فمنذ عقود، لم تتوقف أمريكا عن إشعال الحروب في العالم، متوهّمة أنها قادرة على فرض إرادتها بالقوة العسكرية، لكنها لم تحصد سوى الهزائم المتتالية. وما بين فيتنام التي انتهت بانسحاب مذل عام 1975، إلى أفغانستان، حيث أجبر المجاهدون الجيش الأمريكي على الفرار من كابول عام 2021، تتوالى شواهد الفشل الأمريكي، وسيتحول اليمن إلى محطة أخرى في سلسلة هذه الهزائم التي لم يتعلم منها المحتل.
إن واشنطن، رغم جبروتها العسكري والتقني، لم تستطع حسم أي حرب خاضتها ضد الشعوب الحرة، فحتى العراق، الذي غزته عام 2003 بذرائع واهية، تحول إلى مستنقع استنزفها لعقدين، حتى اضطرت إلى الخروج تحت ضغط المجاهدين، وكذلك كان مصير حربها في لبنان عبر الكيان الصهيوني عام 2006، حيث اضطرت تل أبيب إلى التراجع بعد فشلها في تحقيق أهدافها أمام المقاومة الإسلامية هناك.
واليمن اليوم ليس استثناءً، بل هو أكثر وعورة على الأمريكيين من فيتنام وأفغانستان. فالبلد الذي أذل الإمبراطوريات عبر التاريخ، من الأحباش إلى الرومان، ومن العثمانيين إلى البريطانيين، ليس ساحة مفتوحة للغزاة. إنه بلد ينتمي إلى مدرسة الجهاد والصبر، ويعيش تعبئةً مستمرةً تستند إلى إرادة شعبية صلبة، وقضية عادلة ترتبط بالهوية الإيمانية والانتصار للمستضعفين. ومع كل جولة من العدوان، يتعزز التلاحم الشعبي، وتتأكد حقيقة أن هذا الشعب لن يقبل بالاستسلام أو الوصاية.
إن موقف اليمن اليوم لا يقتصر على الدفاع عن أرضه فحسب، بل هو امتداد للموقف المبدئي المناصر لمظلومية إخوتنا الفلسطينيين في غزة والضفة. فأي عدوان صهيو-أمريكي على اليمن هو جزء من مشروع أوسع يستهدف تصفية قضايا الأمة، ولكن كما أفشلنا مخططات العدوان السعودي – الإماراتي المدعوم أمريكياً وصهيونياً، سنفشل هذا العدوان الجديد، وسنحوّله إلى محطة أخرى من محطات الانتصار والتحرير. وكما انتصرنا في الجولات الماضية، فإن النصر – بإذن الله – سيكون حليفنا في هذه الجولة وكل ما يليها، حتى تحرير القدس وتحقيق الوعد الإلهي على أرض فلسطين.
ونذكر إعلام الصهاينة الناطق بالعربية أنهم احتفلوا وهللوا للعدوان السعودي – الإماراتي قبل عشر سنوات، فكانت النتيجة أن 26 مارس من كل عام أصبح يوماً وطنياً للصمود، بعدما فشلت تلك الأدوات في تحقيق أهدافها الصهيونية في اليمن. وهذا المصير نفسه ينتظر أسيادهم في واشنطن وتل أبيب، فكما انتهى الاحتلال الأمريكي بهزائم مذلة في فيتنام وأفغانستان، وكما خرج مهزوماً من العراق وسورية ولبنان، فإن المغامرة الأمريكية في اليمن ستتحول إلى كابوس لا يختلف عن سابقاتها، بل سيكون أكثر كلفة وأشد وقعاً.
إن واشنطن التي اعتقدت أن بإمكانها إخضاع الشعوب بالقوة، ستدرك أن اليمن لم يكن يوماً ساحة مفتوحة لمغامراتها. وكما سجل التاريخ خروج الأمريكيين من سايغون تحت أقدام الفيتناميين، وهروبهم من كابول تحت نيران المجاهدين، سيكتب التاريخ أيضاً هزيمتهم في اليمن، حيث ستتكسر أحلامهم على صخرة الصمود اليمني، وسيكون القادم شاهدًا على ما هو أعظم.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب