مسلسل معاوية... تقديس الرذيلة وتكريس حكم الطغاة
السياسية || محمد محسن الجوهري*
ليس هناك ما تستلهمه الأمة من معاوية بن أبي سفيان، ومن بني أمية عموماً، فهم آخر من أسلم وأكثر من استغل الإسلام وتاجر به، مما أدى إلى تشجيع الانتهازية وتديين المصالح، وكل ذلك يتعارض جملةً وتفصيلاً مع مبادئ الإسلام الأصيل، التي غُيبت عن الحياة، وكان لبني أمية الدور الأبرز في محاربتها.
وحتى تكتمل الصورة، فإن بني أمية لم يكونوا من أهل الدين والشرف، فقد مارسوا في الجاهلية شتى أنواع التجارة، بغض النظر عن قيمتها الدينية والأخلاقية، وأسهموا في تكريس الوثنية من خلال اشتغالهم بتجارة "النُصُب" أو الأصنام التي كانت تُجلب من بلاد الشام، حيث كان الرومان مستقرين. كما انخرطوا في تجارة الدعارة، وعن طريقهم اشتهرت الرايات الحمراء في مكة، حيث سخّروا إمكاناتهم البشرية في هذا المجال، إضافةً إلى عملهم في القمار، وما كان يُعرف آنذاك بالميسر.
والأخطر من ذلك، أن بني أمية لم يكتفوا بعبادة المال وجمعه بشتى الوسائل المشروعة وغير المشروعة، بل كانوا أيضاً عشاقاً للسلطة والمناصب العليا. وهذه من أخطر الآفات، إذ يجتمع عشق السلطة مع انعدام المعايير الأخلاقية، وقد سخّروا في سبيل ذلك كل الوسائل غير الأخلاقية المتاحة لهم. فكانوا يستغلون الدعارة، ثم يبتزون زبائنهم لأغراض أخرى إذا دعت الحاجة، ومن هنا نشأت هيبتهم في نفوس العرب، خاصةً بين أبناء الأسر الرفيعة الذين كانوا يخشون على سمعتهم من الفضيحة.
ولو كان لبني أمية شرفٌ في الجاهلية، لما تلطخت سمعة أبي لهب، ولما لُعن عبر التاريخ، ليس لشيء إلا لأنه تزوج من بني أمية، وكانت امرأته سبب هلاكه في الدارين. فكيف إذا حكموا الأمة بأسرها، وجاء من يقدّسهم ويعمّم رذائلهم تلك لتصبح سنة بين الناس؟! حينها، لن يكون مستغرباً أن يتسلّط الطغاة على الأمة، وأن يتفشى الفساد الأخلاقي في أوساطها، ما دام بنو أمية قدوةً للحكام.
وبالعودة إلى قضية السلطة والابتزاز، فقد مثَّل إسلام أبي سفيان الشكلي نقطة تحول في حياة الكثير من الناس، خاصةً أولئك الذين كانوا يخشون على سمعتهم. فأبو سفيان كان يحتفظ بالكثير من الأسرار، وعلى استعدادٍ لتوظيفها من أجل الوصول إلى أعلى مراتب السلطة. ومن هنا جاءت مقولة عمر الشهيرة: "إنما الشام لقمة أُسكت بها أفواه بني أمية."
أما من يعرف قدره وشرفه، فلا يمكن أن يقبل - بأي حالٍ من الأحوال - بأن يبقي بني أمية في السلطة، أو أن يخضع لهم أو حتى يداهنهم. ولهذا كان أول قرار اتخذه الإمام علي عليه السلام هو عزل معاوية عن ولاية الشام. فلو كان قد أبقاه ليومٍ واحدٍ، لكان ذلك حجةً عليه كما هو حجةٌ على غيره. لكنه كان أعظم وأشرف من أن يداهن دعاة الرذيلة من بني أمية أو غيرهم. فقد اقتصر الإرهاب الأموي على الابتزاز بالرذائل التي يترفّع عنها كبار القوم وأشرافهم.
وهذه من الشواهد الكبرى على عظمة الإمام عليه السلام وعلى رصيده الأخلاقي في كل مراحل حياته، كما أنها دليلٌ واضح على أنه كان آخر من يعشق السلطة. فلو كان من عشاقها، لغضّ الطرف عن بني أمية حتى تستقر له الأمور، لكنه صاحب شرفٍ رفيع وأخلاقٍ عظيمة تأبى الخضوع لمثلهم، ولو كان الثمن سقوط الدولة بأكملها.
وقد أثبتت الأيام أن قتال الإمام علي لمعاوية كان من أجل مصلحة الأمة، فبنو أمية شرٌّ مطلق، وحكمهم قام على ذبح المسلمين واضطهادهم بعد أن استولوا على السلطة. وفي عهد كل حاكمٍ منهم، سقط الآلاف من أبناء الأمة في مجازر جماعية لم تستثنِ أحداً، أما ما لحق بآل البيت، فكان انتقاماً واضحاً من خسائر الكفار في بدر وما بعدها. فقد كان معاوية ونجله على دينهم الجاهلي، حتى وإن أظهروا الإسلام.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب