الحرب خيار إيران الأفضل من وضعية اللاحرب واللاسلم
السياسية || محمد محسن الجوهري*
لا خيار أمام إيران سوى تصعيد الوضع عسكريًا مع واشنطن وحلفائها في المنطقة، إذ تهدف الضغوط الأمريكية إلى خنقها اقتصاديًا وسياسيًا وصولًا إلى تفجير الأوضاع من الداخل، كما حدث في دول أخرى مثل العراق وسورية وليبيا. وإذا انتظرت طهران حتى تكتمل المخططات الأمريكية، فإن مصيرها لن يكون مختلفًا، وستتعرض البلاد لحرب استنزاف كبرى. ولذلك، فإن الجمهورية الإسلامية مطالبة بالمبادرة إلى الحرب قبل أن تُفرض عليها، خاصةً أنها تمتلك ترسانة عسكرية متطورة وأدوات ضغط استراتيجية قادرة على تغيير موازين القوى في المنطقة.
إيران تمتلك قوة صاروخية متقدمة تعد إحدى أهم أدوات الردع لديها، ومن أبرزها صاروخ "خرمشهر 4" بمدى يصل إلى 2000 كلم مع إمكانية حمل رؤوس حربية متعددة، وصاروخ "سجّيل" الذي يعمل بالوقود الصلب، مما يجعله أسرع في الإطلاق وأكثر صعوبة في الاعتراض، إضافة إلى صاروخ "فاتح 110" الذي يتميز بدقة عالية ويُستخدم لضرب القواعد الأمريكية في المنطقة.
وقد أثبتت إيران قدرتها العملية على استخدام هذه الصواريخ بفعالية من خلال الهجوم الصاروخي على قاعدة "عين الأسد" عام 2020، الذي أكد قدرتها على تنفيذ عمليات انتقامية دقيقة رغم وجود منظومات دفاعية أمريكية مثل الباتريوت.
إلى جانب القدرات الصاروخية، تمتلك إيران قوة بحرية متقدمة عبر الحرس الثوري، تشمل زوارق سريعة، غواصات صغيرة، وألغام بحرية قادرة على تعطيل الملاحة في الخليج. كما يمثل مضيق هرمز نقطة ضعف كبرى للولايات المتحدة وحلفائها، إذ تمر عبره ثلث صادرات النفط العالمية، وإذا قررت إيران إغلاقه، فإن الاقتصاد العالمي سيتأثر بشدة، وهو ما سبق أن لوّحت به مرارًا. وقد أكدت حادثة احتجاز ناقلات النفط البريطانية والأمريكية قدرة إيران على فرض سيطرتها على هذا الممر الحيوي رغم التهديدات الغربية، علاوةً على أن حقول النفط تمثل نقطة ضعف كبرى لواشنطن، فهي المستفيد الأول من النفط الخليجي.
أما في المجال الجوي، فقد أصبحت إيران رائدة في تطوير الطائرات المسيّرة، التي غيّرت موازين القوى العسكرية في المنطقة. ومن أبرز هذه الطائرات "شاهد 136"، التي يصل مداها إلى 2500 كلم، وقد استخدمتها روسيا بكفاءة عالية ضد أوكرانيا، بالإضافة إلى الطائرة "مهاجر-6"، القادرة على تنفيذ ضربات دقيقة ضد الأهداف الأمريكية في العراق وسورية والخليج. كما كان إسقاط الطائرة الأمريكية المتطورة "RQ-4 Global Hawk" عام 2019 إشارة قوية إلى قدرات إيران الدفاعية المتقدمة.
لم تقتصر قدرات إيران على الأسلحة التقليدية، بل برزت أيضًا كقوة سيبرانية عالمية قادرة على شن هجمات إلكترونية معقدة ضد خصومها. وقد نفّذت سابقًا هجمات ناجحة ضد منشآت نفطية سعودية، مثل الهجوم على أرامكو، واستهدفت بنوكًا وشركات أمريكية كبرى ضمن إطار حرب إلكترونية متبادلة، فضلًا عن اختراق أنظمة إسرائيلية حساسة، مما دفع الاحتلال إلى الاعتراف بقدرات إيران المتزايدة في هذا المجال.
الكيان الصهيوني، بصفته الحليف الأول للولايات المتحدة في المنطقة، يمثل نقطة ضعف رئيسية للغرب، وأي حرب شاملة لن تستثني تل أبيب وحيفا ومفاعل ديمونا النووي من الضربات الصاروخية الإيرانية. وقد أثبتت تجربة "الوعد الصادق" هشاشة الكيان الصهيوني أمام الضربات الصاروخية الدقيقة، إلى جانب المصالح الأمريكية في الخليج، فهي لا تقل حساسية لدى الغرب من قصف الكيان الصهيوني.
إيران ليست مجرد دولة مستهدفة، بل قوة إقليمية قادرة على إلحاق خسائر كارثية بأي عدو يحاول فرض الحرب عليها. منظومتها الدفاعية والهجومية تجعل من أي مغامرة أمريكية أو صهيونية مخاطرة كبرى، لذا فإن خيار المواجهة المباشرة سيبقى دائمًا محفوفًا بالمخاطر على أعدائها. ولكن بالنسبة لإيران، فإن وضعية الحرب أفضل بكثير من حالة اللاحرب واللاسلم التي تعيشها منذ سنوات طويلة، حيث استغلت دول صغيرة مثل الإمارات وقطر والبحرين هذه الوضعية للتطاول عليها. لذلك، فإن المبادرة العسكرية قد تكون الخيار الأفضل لإيران لفرض معادلة جديدة في المنطقة.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب