الواقع العربي.. تخاذل اعتيادي أم شراكة حقيقية مع العدو؟
عبدالحكيم عامر*
يمرّ العالم الإسلامي بمرحلة مفصلية تتطلب مواقف حاسمة وجريئة، غير أن الواقع العربي يواصل اجترار حالة الجمود والعجز، فيما يمضي العدوّ الإسرائيلي في تصعيد جرائمه ضد الشعب الفلسطيني، وعلى الرغم من أن الأنظمة العربية تمتلك أوراق ضغط مؤثرة، فَــإنَّ سقف مواقفها لا يتجاوز بيانات الشجب والإدانة، وهو السقف الذي يدرك العدوّ الإسرائيلي مسبقًا أنه لن يُكسر، مهما تمادى في عدوانه.
فبدلًا من اتِّخاذ خطوات عملية توقف المجازر، تواصل بعض الأنظمة العربية سياسة التواطؤ، سواء بالصمت أَو بالتحَرّكات التي تخدم المصالح الإسرائيلية بشكل مباشر أَو غير مباشر.
وهذا يطرح تساؤلًا جوهريًّا: هل نحن أمام حالة تخاذل اعتيادي أم أمام شراكة حقيقية مع العدو؟
لم يكن العدوّ الإسرائيلي ليتمادى في مشاريعه الاستيطانية وجرائمه الممنهجة لولا إدراكه أن البيئة العربية الرسمية توفر له مظلة آمنة لتنفيذ مخطّطاته دون أي عواقب، فمن فرض التهجير القسري إلى التصعيد العسكري ضد غزة والضفة، يدرك الاحتلال أن ردود الفعل العربية لن تتجاوز بيانات “القلق العميق” و”الدعوة إلى ضبط النفس”.
الأخطر من ذلك، أن بعض الأنظمة العربية لا تكتفي بالصمت، بل تتحَرّك بفعالية لمنع أي رد فعل شعبي أَو رسمي قد يُربك حسابات العدوّ، فالقمم العربية، التي يُفترض أن تكون منابر لدعم فلسطين، أصبحت مناسبات لتخفيف سقف الخطاب العربي، وتفريغ أي موقف محتمل من مضمونه، بحيث تبقى القضية الفلسطينية مُجَـرّد ورقة تفاوضية تستخدمها بعض العواصم حين تحتاج إلى تحسين مواقعها في معادلات المصالح الدولية.
ورغم إعلان بعض الدول العربية رفضها العلني للتهجير القسري للفلسطينيين، إلا أن هذا الرفض لم يُترجم إلى خطوات عملية، والأسوأ من ذلك أن تقارير دولية كشفت عن تورط بعض العواصم العربية في تسهيل مخطّطات الاحتلال، سواء من خلال قنوات دبلوماسية غير معلنة، أَو عبر ترتيبات اقتصادية تخفف من تأثير الضغوط المفروضة على “إسرائيل”.
بل إن هناك دولًا عربية فتحت مسارات بديلة للالتفاف على الحظر الذي فرضته القوات اليمنية على السفن الإسرائيلية؛ ما يعكس تناقضًا صارخًا بين الخطاب الرسمي والممارسات الفعلية، فكيف يمكن تفسير هذا السلوك إلا بكونه شكلًا من أشكال التواطؤ المباشر مع الاحتلال الصهيوني ضد فلسطين؟
وعند المقارنة بين الدعم الذي يقدمه الغرب لأوكرانيا والموقف العربي من القضية الفلسطينية، تتكشف مفارقة مخزية، فبينما تُضَخّ مليارات الدولارات لدعم كييف بالسلاح والموارد، يكتفي العالم العربي بإطلاق تصريحات خالية من أي قيمة عملية تجاه فلسطين.
بل إن بعض الأنظمة العربية انشغلت بالملف الأوكراني أكثر من القضية الفلسطينية، ليس من باب المصلحة الاستراتيجية، وإنما استجابة لضغوط القوى الغربية. وكأن الأولويات السياسية للعالم العربي تُحدّد في العواصم الأجنبية، لا وفقًا للمصالح الحقيقية للأُمَّـة الإسلامية.
فالشعوب العربية بين انتظار المعجزات وكسر القيود، إن ربط الموقف الشعبي بالموقف الرسمي هو أحد الأخطاء القاتلة التي كرّست حالة العجز العربي، فالأنظمة التي خذلت فلسطين لعقود لن تكون يومًا في طليعة المواجهة ضد الاحتلال، ولا يمكن أن يُعوَّل عليها في تغيير المعادلة.
والواقع يؤكّـد أن الشعوب وحدها تمتلك القدرة على فرض معادلات جديدة، سواء عبر الضغط السياسي، أَو من خلال دعم المبادرات الفاعلة التي تستهدف المصالح الإسرائيلية في المنطقة، ولا يجوز أن يظل الغضب الشعبي موجهًا نحو من يتخذون مواقف عملية ضد الاحتلال، بدلًا من أن يكون موجّهًا إلى العدوّ الصهيوني وأدواته في المنطقة.
وفي الأخير، أي مستقبل لموقف عربي بهذه الهشاشة؟
الحقائق على الأرض تكشف أن كبار الأنظمة العربية لا يكتفون بالخذلان، بل يتواطؤون فعليًّا مع العدوّ الإسرائيلي، إما عبر الدعم الاقتصادي غير المباشر أَو عبر الضغط على القوى المقاومة، بل وحتى من خلال التحريض السري ضد الشعب الفلسطيني.
في ظل هذه المعادلة المختلة، يبقى السؤال: إلى متى ستظل الأُمَّــة مكبلة بمواقف رسمية مهزوزة؟ وهل ستستمر بعض الأنظمة في لعب دور “الوسيط” بين العدوّ الإسرائيلي والمقاومة، أم أنها ستكشف أوراقها أكثر في الشراكة مع الاحتلال؟
الأمة أمام لحظة تاريخية لا تحتمل أنصاف المواقف، فإما أن تتحَرّك الشعوب للضغط؛ مِن أجلِ تغيير المعادلة، أَو أن يستمر العدوّ في استغلال حالة الجمود العربي لتنفيذ أجندته العدوانية دون أي عوائق تذكر.
*المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب
*موقع أنصار الله