د. إدريس هاني*

أصبح الإجرام في منطقة الساحل مكتمل الأركان، وأسوأ منه تبريره بلعبة ألفاظ نكدية عبر إعلام متورّط في إخفاء ملامح الإرهاب. لكن الإرهاب جاوز المدى، وأسقط القناع ومسح الأصباغ، فغريزة الإرهاب لا تتغيّر بربطة عنق وابتسامة صفراء.

تكشف الأرقام المهولة لعدد القتلى الذين سقطوا في أحداث منطقة الساحل والاستهداف الممنهج بالقتل والنهب والاغتصاب الذي يطال المدنيين العزل من قبل وحوش منحدرة من أقصى التطرفات، كما تكشف العبارات المصاحبة للجريمة، بأنّنا بالفعل أمام حرب تطهير وإبادة، الأسوأ من ذلك أنها تجري تحت أنظار جامعة الدول العربية والمؤتمر الإسلامي والأمم المتحدة وفي الشهر الفضيل.

لقد تبيّنت كمية العنف الذي كنا نعتبره خطرا قادما إلى سورية تحت وابل من الشعارات التي استغفلت الرأي العام وساعد في ذلك طبيعة الشراكة التي ربطت بين الإرهاب والإعلام الذي يُسوّق للقوة الناعمة للإرهاب نفسه عبر قلب الحقائق.

اليوم، لم نعد نسمع من القنوات التي يديرها أخوال القاعدة أنفسهم، عن البراميل المتفجرة، وعن قتل الشعب، وعن الاستبداد…انتهت دموع التماسيح ليصبح الإعلام نفسه يلعب الدور النقيض، أي تبرير الفعل الجُرمي ووضع شعارات تضليلية منها على سبيل المثال: فلول النظام، هذا في الوقت الذي تفكك فيه الجيش قبل أن يدخل الإرهابيون إلى دمشق، وترك الجميع سلاحه، والكل في سورية بعد هذا العبث يفكر فقط أن يعيش في سلام. لكننا شاهدنا أنّ فلول النظام هم العلويون والمسيحيون والسنة الرافضين للقاعدة، رأينا القصف العشوائي الذي يطال البيوت والقتل على الهوية في الشوارع وداخل البيوت، فكان فلول النظام هم الشيخ والأمهات والأطفال وحتى البهائم.

لقد أصدر العلويون منذ اللحظة الأولى بيان اندماج في الوضع الجديد وسلموا أسلحتهم وعبروا عن موقفهم الإيجابي، لكن حكومة القاعدة ومنذ البداية سلّطت فلولها لإهانة الساكنة وطردهم من وظائفهم واقتحام بيوتهم وكل المظاهر التي ظهرت حتى مع إصرار الإعلام التضليلي الصمت حيالها وتقديم تبريرات تشرعن الإبادة في واحدة من أخطر جرائم الإعلام.

سيتضح أن خدعة حماية الشعب السوري كذبة سمجة أدمن عليها خصوم سورية. إنّ صناعة التبشيع والصورة النمطية تهشمت أمام الهمجية التي تقودها التطرفات بمؤازرة دول لطالما تحدثت عن الديمقراطية وإنقاذ الشعب السوري. فدموع التماسيح عن أسطورة صدنايا جفت أمام مظاهر القتل في الساحل، حيث وخلال يومين فقط بتنا نتحدث عن آلاف من القتلى والمختطفين والجرحى، وعن الاتجار بأعضاء القتلى، التجارة التي ازدهرت هذه الأيام في الساحل من قبل فلول الإرهاب الجبان.

هناك صمت من قبل من رفعوا شعار سقوط سورية، من كل فلول التيارات المتطرفة والتي باركت الإرهاب الجديد في سورية. بات التضليل سلسا، يكفي أن نعلق كل جرائم المتطرفين على نظام رحل. الاستهتار الديماغوجي بالرأي العام.

والمثال الثاني هو محاولة ربط ما حصل وتبرير ورطة الإرهاب بالقول أنّ هناك أيادي خارجية، ويقصدون إيران والنظام السابق وأطراف أخرى في تأجيج الأحداث، هذا في الوقت الذي لا تواجد لهؤلاء في بلد تقاسمه الاحتلال، ولا أحد من سلالة التطرفات يتطرق للاحتلال ومساهمته في الفوضى بتعاون مع المتطرفين.

لا يحتاج المراقب أن يشرح أكثر مما ظهر في تلك الصور التي كشفت مرة أخرى، على أنّ تسليم الشام للإرهاب، وتحقيق أمنية من لا عهد لهم بالدولة، هو جريمة موصوفة في حق الشعب السوري الذي عاش منذ عشرات السنين في نسيج اجتماعي مستقر.

ففي أكبر عملية تضليل دولي، سعى خصوم سورية لإخراجها عبر قوى إرهابية وظيفية من المعادلة. اليوم، ليس هناك من جديد سوى أنّ الإرهاب بات مشروعا في سورية، لكن هذا البلد تعرض للتخريب وانهارت مؤسساته وضُربت قدراته العسكرية وتعرض للاحتلال.

لقد سقطت سورية كدولة وكيان، وجاء عهد الديمقراطية على يد النصرة، لقد كان هذا الغول متواريا طيلة 13 عاما، كانت دموع التماسيح والشعارات والمُلاوغة جزء من خداع ممنهج، انتهى بما كنا ننبّه إليه، من أنّ القادم هو الخراب والمستهدف هو سورية ونسيجها الاجتماعي.

كيف لبلد كان يحتل رتبة متقدمة في الأمان يصبح عرضة للعنف والفوضى؟

كيف لشعب تربّى على التعايش السلمي بين كل مكوناته يتحوّل إلى بلد طائفي رسميّا. لقد سقطت كلّ الشعارات التي اختبأ خلفها كل من له حساب ضد بلد استطاع أن يدافع عن سيادته وتعايش أبنائه قبل أن يهجم عليه التطرف ويقوض كل مكتسباته. اليوم بإمكان خصوم سورية أن يصفقوا للاحتلال بالشمال والجنوب ولإدارة التوحش، وهو الكتاب الذي أنجز أيام الإرهاب بالعراق ليصبح هو زبور التيارات الإرهابية، وهو ما يفسر طبيعة الجرائم التي ترتكب اليوم في حق الشعب السوري.الفكرة الأساسية لإدارة التوحش هو البطش العاري والعنف بلا هوادة.

ثمّة مضللون سعوا لإخفاء الشمس بالغربال، ولا نستبعد بعد اليوم أن يأتي من يرقى بلعبة الأمم في سورية ويختزلها في عبقرية الأدوات الوظيفية. قريبا سنجد من سينجز أطروحات أكاديمية حول مفهوم الدولة بين هيغل و”الفاتح الجديد”، نظرية العقد الاجتماعي بين جنيف وإدلب، سنواجه صبيبا من التضليل البليد والمستبلد للرأي العام، لكننا مرة أخرى نذكّر من يجهلون مكر التّاريخ، بأنّ لا أحد يستطيع أن ينزع من الأفعى سمّها ببساطة، ولا من الإرهاب غريزته ولا من الاحتلال أطماعه إلاّ بانتفاضة الشعب المظلوم، نستطيع القول أنّ ثورة الشعب السوري بدأت اليوم، اليوم فقط!

* كاتب ومحلل مغربي

* المقال نقل من موقع رأي اليوم ويعبر عن وجهة نظر الكاتب