السياسية || محمد محسن الجوهري*

لعب العمل الشعري دوراً محورياً في العصر العربي الأول في مجال توثيق الأحداث السياسية، وحتى لا تنحرف الأمور وتأخذ منحنيات أخرى غير حقيقتها التي كانت عليها، وكما وثق عمرو بن العاص في قصيدته الشهرية "الجلجلية" حقيقة معاوية وصراعه مع الإمام علي، فإن الصحابي الجليل حسان بن ثابت سبق عمرو بن العاص بسنوات في توثيق حقيقة أم معاوية، وتحديداً بعد ما اقترفته من إجرام بحق حمزة بن عبدالمطلب، عم رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم.

وفي القصيدة "الوثائقية" أشار حسان رضي الله عنه، إلى وضعية هند الأخلاقية، وكيف كانت سمعتها بين العرب، حيث اشتهرت بالفسق والفجور، بخلاف ما تقدمه كتب الوهابية السعودية اليوم، والتي تصورها بأنها عنوان للشرف في العصور الغابرة، وما كان لحسان أن يقول ما قاله من الشعر إلا وهو يعلم صدق ماهي عليه من الإفساد الأخلاقي وأن ابنها معاوية ليس من زوجها أبي سفيان، وعلينا ألا ننسى أن الرسول صلى الله عليه وآله قد دعا له من قبل بأن يؤيده الله بروح القدس في هجائه للكفار وأعداء الرسول والإسلام.

كانت هند سيئة الذكر منذ اليوم الأول، ولم يكن لها أي تاريخ مشرف سوى دورها العدائي للإسلام، حيث كانت من المحرضين على قتل الصحابة وأبرزهم حمزة بن عبد المطلب، عم النبي في معركة أحد. لقد صورتها الروايات الإسلامية على حقيقتها كرمز للخداع والمكر والفساد الأخلاقي، ورغم محاولات الوهابية السعودية تلميع صورتها، فإن الحقيقة التاريخية تبقى راسخة في ذاكرة المسلمين. لم تكن هند سوى امرأة مدفوعة بالحقد على الإسلام وأهله، وبعد فتح مكة وإسلامها المزعوم، لم تكن محل ثقة، فالتاريخ الإسلامي يذكرها كرمز للانتقام والعداء المستمر للدين الجديد.

أما ابنها معاوية بن أبي سفيان، فلم يكن سوى امتداد لدهاء والدته وسياستها القائمة على التحايل والتآمر، حيث أسس الدولة الأموية على أسس المكر والخداع والانقلاب على القيم الإسلامية. لقد استغل معاوية ذكاءه السياسي ليحول الحكم الإسلامي إلى ملك عضوض، مستخدمًا كل الأساليب غير المشروعة لضمان توريث الحكم، وهي السياسة التي عُرفت عنه طوال فترة حكمه.

ولسببٍ في علم الله، قال حسان بن ثابت قصيدته المشهورة عن هند، كيف لا وهو من عُرف بشجاعته المعهودة في الذود عن الإسلام، حيث لم يتردد في كشف حقيقة هند بنت عتبة في هذه القصيدة، ليحفر صورتها السيئة في الذاكرة الإسلامية، رغم حملات التلميع التي تحاول تزييف التاريخ. فمهما حاولت بعض الجهات تقديمها كرمز للأخلاق، فإن أشعار حسان وأقوال المؤرخين تثبت أن هند لم تكن سوى نموذج للخيانة والعهر والعداء للإسلام.

وهذا نص القصيدة لمن أراد معرفة بدايات بني أمية الأولى:
أَشِرَت لَكاعِ وَكانَ عادَتَها
لُؤمٌ إِذا أَشِرَت مَعَ الكُفرِ
لَعَنَ الإِلَهُ وَزَوجَها مَعَها
هِندَ الهُنودِ طَويلَةَ البَظرِ
أَخرَجتِ مُرقِصَةً إِلى أُحُدٍ
في القَومِ مُعنِقَةً عَلى بَكرِ
بَكرٍ ثَفالٍ لا حَراكَ بِهِ
لا عَن مُعاتَبَةٍ وَلا زَجرِ
وَعَصاكَ إِستُكِ تَتَّقينَ بِها
دَقَّ العُجايَةَ عارِيَ الفِهرِ
قَرِحَت عَجيزَتُها وَمَشرَجُها
مِن نَصِّها نَصّاً عَلى القَهرِ
ظَلَّت تُداويها زَميلَتُها
بِالماءِ تَنضَحُهُ وَبِالسِدرِ
أَقبَلتِ زائِرَةً مُبادِرَةً
بِأَبيكِ وَاِبنِكِ يَومَ ذي بَدرِ
وَبِعَمِّكَ المَسلوبِ بِزَّتَهُ
وَأَخيكَ مُنعَفِرَينِ في الجَفرِ
وَنَسيتَ فاحِشَةً أَتَيتِ بِها
يا هِندُ وَيحَكِ سُبَّةَ الدَهرِ
فَرَجَعتِ صاغِرَةً بِلا تِرَةٍ
مِمّا طَلَبتِ بِها وَلا وَترِ
زَعَمَ الوَلائِدُ أَنَّها وَلَدَت
وَلَداً صَغيراً كانَ مِن عَهرِ

* المقال يعبر عن رأي الكاتب