التكفيريون في سورية.. الامتداد الطبيعي لفتنة السقيفة
السياسية || محمد محسن الجوهري*
فتنة "السقيفة" تضرب الأمة إلى اليوم
ما بُني على باطل فهو باطل، وكل آثار السقيفة تثبت ذلك منذ أربعة عشر قرناً ولا تزال، وما نراه من إجرام في سورية اليوم من نتائج تلك المهزلة التي خالف بها البعض وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقدموا آخرين على من قدمه الرسول، وبدأت عندئذٍ سلسلة الإبادة الجماعية للمسلمين تحت عناوين مختلفة، مثل الردة والكفر.
وقد أثبت التاريخ أن نتائج السقيفة لم تكن مجرد حادثة عابرة، بل كانت نقطة تحول في مسار الأمة الإسلامية، حيث أدى التفاف بعض الصحابة حول الحكم وإقصاء الإمام علي عليه السلام إلى انحراف خطير في مسار القيادة، مما مهّد لظهور أنظمة جائرة كحكم بني أمية الذين رسخوا الظلم والاستبداد.
لقد كان بنو أمية أول من سنَّ سياسة القتل والتنكيل بالمعارضين تحت غطاء الدين، حيث بدأ معاوية بن أبي سفيان، مؤسس الدولة الأموية، بالتمرد على خلافة الإمام علي عليه السلام، وخاض حرب صفين التي قتل فيها آلاف المسلمين، ثم عمد إلى قتل كبار الصحابة والتابعين الذين رفضوا حكمه، وأشاع سياسة شراء الذمم والتلاعب بالدين.
أما يزيد بن معاوية، فكان أكثر وضوحاً في طغيانه، فارتكب أبشع جريمة في تاريخ الإسلام بقتل الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه في كربلاء عام 61 هـ، وأتبعها بمجزرة الحرة في المدينة المنورة، حيث انتهك حرمة المدينة وقتل الآلاف من أهلها، حتى قال المؤرخون إن الدماء سالت في شوارعها ثلاثة أيام.
واستمر الحكم الأموي في نشر الظلم، حيث اتبع الحجاج بن يوسف الثقفي أساليب القمع والتنكيل، وقتل عشرات الآلاف من المسلمين لمجرد معارضتهم للحكم الأموي، وكان يقيم المشانق في المساجد لترهيب الناس، تماماً كما يفعل التكفيريون في عصرنا الحالي حين يتخذون من الدين ستاراً لممارسة القتل والإرهاب ضد الأبرياء.
وما نراه اليوم من جماعات تكفيرية تستبيح دماء المسلمين بحجة الردة والكفر هو امتداد لتلك السياسة الأموية، فكما شرعن بنو أمية القتل باسم الدين، تفعل الجماعات الإرهابية اليوم الشيء ذاته، مستندة إلى الفكر المتطرف الذي زرع بذوره معاوية ويزيد وأعوانهم. إنهم يقتلون المسلم ويتسامحون مع أعداء الإسلام، فبينما يتم استهداف الأبرياء في سورية والعراق واليمن، نجد هؤلاء التكفيريين لا يمسون الكيان الصهيوني أو القوى الاستعمارية بأي أذى.
ولهذا، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان حريصاً على أن يولي أمر الأمة خير الناس بعده، وهو الإمام علي عليه السلام، الذي كان رمزاً للعدل والرحمة بالمؤمنين، في مقابل من أسسوا للظلم والانحراف. وكان الإمام علي عليه السلام يدرك خطر بقاء معاوية في السلطة، لأنه امتداد لكفار قريش وأعداء الإسلام، ولهذا لم يتهاون في محاربته، ولكن تخاذل الناس عن نصرته أدى إلى تمكين بني أمية الذين فتحوا الباب أمام كل الطغاة والمستبدين الذين جاؤوا بعدهم.
إن الانحراف الذي بدأ بعد السقيفة لم يتوقف، بل امتد عبر العصور، واستمر في إنتاج المزيد من الظلم والدماء، وصولاً إلى عصرنا الحالي حيث نرى التكفيريين يسيرون على النهج نفسه، ما يؤكد أن العودة إلى المبادئ الحقيقية للإسلام وإحياء العدل الذي دعا إليه الرسول وأهل بيته هو السبيل الوحيد لخلاص الأمة من دوامة العنف والانحراف.
كما أن تقديس أو تعظيم السقيفة ومخرجاتها هو مشاركة فعلية في كل إجرام التكفيريين، فهم يتحركون في إجرامهم معتمدين على شريعة السقيفة التي هم امتداد لها، والتي بدورها تتناقض مع الإسلام المحمدي الأصيل، ومما يؤكد أن مخرجات السقيفة كلها باطلة أن من يتعصبون لها لا يتعصبون لقضايا الأمة الإسلامية، فتراهم أذلة على الكافرين وأعزة على المؤمنين، فيقتلون المسلم ويتسامحون مع أعداء الإسلام، وما نراه في سورية من إبادة للمسلمين وتسامح مع الكيان الصهيوني المعتدي، لهو خير دليل على بطلان السقيفة ومنتجاتها الضالة.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب