مجازر الساحل السوري.. رسالة لمن يرفض الحقيقة
السياسية || جميل القشم*
ما حدث في الساحل السوري من مجازر وحشية على يد داعش هو جريمة مروعة تكشف الوجه الحقيقي لهذا الفكر الدموي الذي لا يعترف بحدود الإنسانية ولا قيم الحياة.
مع كل جريمة يرتكبها هذا التنظيم، تتضح أكثر صورة الكارثة التي يعيشها العالم العربي في مواجهة هذا الوحش الذي يلتهم كل ما يقف في طريقه. في واقع الحال، لا يسعى داعش لتحقيق أهداف دينية أو سياسية كما يروج البعض، بل هو مجرد أداة لتمزيق المجتمعات وزرع الفوضى، ولا يمكن تجاهل حقيقة أنه تنظيم وجد وجرى تسليحه وتمويله لخدمة أهداف مشبوهة، تابعة لمشاريع استعمارية تهدف إلى إضعاف الأمة العربية والإسلامية من الداخل.
إن داعش لا يتحرك بمفرده، بل هو جزء من مشروع أكبر يمتد على طول المنطقة العربية، منذ بداياته في العراق ثم في سوريا، كان الهدف الأبرز هو تفكيك الدولة وتدمير المجتمعات من الداخل، عبر نشر الفوضى والصراعات الطائفية، هذه المجازر التي شهدها الساحل السوري، حيث تم قتل وتشريد الآلاف من الأبرياء، كانت جزءا من هذا المخطط المدمر.
وبالرغم من كل ما يقال عن هذه الجماعات المتطرفة، فإن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن داعش وأخواتها مجرد أدوات وظيفية في يد القوى الكبرى التي تسعى لإعادة رسم الخريطة السياسية في الشرق الأوسط بما يتناسب مع مصالحها.
ومن المؤكد أن هذه المشاريع، التي تغذيها القوى الغربية، لا تقتصر على سوريا والعراق فقط، بل تمتد لتشمل بلدانا أخرى مثل اليمن، التي تعرضت بدورها لتحديات مشابهة في مواجهة مخططات التفكيك والتدمير، في اليمن، كانت هناك محاولات من قبل نفس القوى للعب على وتر الفوضى، وكان الاستهداف واضحا؛ إضعاف الدولة اليمنية وتفكيك المجتمع، ومن هنا، فإن التهديد الذي تواجهه اليمن ليس مجرد تهديد عسكري أو أمني، بل هو تهديد وجودي يهدف إلى تقويض كل ما يمكن أن يعزز السيادة الوطنية والهوية المستقلة.
في هذا السياق، لا يمكن التغاضي عن حقيقة أن كل مشروع تقوده هذه القوى الكبرى يهدف إلى استبدال النظام السياسي المستقر بأي شكل من أشكال الفوضى المدمرة.
في النهاية، من يعتقد أن الاستسلام أو الخضوع للضغط الخارجي قد يحل الأزمة، فإنه يعيد تكرار نفس الخطأ الذي وقع فيه الكثير من الدول العربية التي فقدت سيادتها واستقلالها تحت وطأة هذه المشاريع، لذلك، لا بد من الوقوف بصلابة ضد هذه المخططات ومواصلة العمل على تعزيز الاستقلال السياسي والاقتصادي.
مجازر الساحل السوري تمثل رسالة واضحة لمن يرفض الحقيقة، فالنظام الذي يتحرك اليوم في المنطقة لا يعنيه سوى استمرار الهيمنة والتسلط على المجتمعات الضعيفة، في هذا الصراع المصيري، اليمنيون اليوم أمام اختيار صعب، إما أن يواصلوا مقاومتهم ويثابروا على نضالهم من أجل السيادة والاستقلال، وإما أن يغرقوا في الفوضى التي تزرعها هذه المشاريع الاستعمارية.
لا مجال للغفلة أو الهروب من الواقع، فكل لحظة تردد قد تكلف الأمة الكثير، من لم يدرك بعد أن داعش وأخواتها أدوات استعمارية تعمل لخدمة أهداف غربية هو في غفلة خطيرة، وعلى كل من يعتقد أن القوى التي صنعت هذا الإرهاب ستأتي اليوم لتقدم حلولا أن يعيد النظر في دروس التاريخ، المواجهة الحقيقية ليست مع جماعات متطرفة فحسب، بل مع المشروع الذي يقف خلفها ويدعمها ويوفر لها كل أسباب الاستمرار.
في النهاية، إن خيارنا في اليمن واضح : المقاومة والتمسك بالسيادة والاستقلال هما السبيل الوحيد للحفاظ على كرامتنا وهويتنا الوطنية، الاستسلام يعني السقوط في فخ الفوضى والتبعية، ولن يكون اليمن يوما جزءا من هذا المشروع الذي يريد أن يمزق كل شيء جميل في هذه الأرض، اليمن كان ولا يزال بلدا حرا يرفض الهيمنة مهما كانت التحديات.
*المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب