السياسية || محمد محسن الجوهري*


ما يحدث اليوم في سورية لهو جدير بالتأمل لما يكشفه من حقائق كثيرة عن الجماعات التكفيرية التي تركت جنوب البلاد للعدو الصهيوني واتجهت لقمع الشعب السوري في الشمال، وكل ذلك لتمهيد المناطق السورية للاحتلال الصهيوني القادم.

بدأت الاشتباكات مع رفض الكثير من أبناء اللاذقية وطرطوس تسليم سلاحهم لجماعة الجولاني، بعد أن أُخفي الكثير من أبنائهم قسراً بعد تسليمهم للسلاح بدوافع طائفية، وخوفاً على ما تبقى من البلاد حتى لا تقع بيد الاحتلال الصهيوني دونما مقاومةٍ تُذكر، كما حدث في ريف دمشق ودرعا والقنيطرة، وقريباً في العاصمة دمشق نفسها إذا استمر التكفيريون في حكم البلاد.

وبدلاً من إعلان الجهاد ضد الصهاينة اليهود، ذهب الجولاني لإعلانه ضد أبناء الشعب السوري، وبحدة التكفيريين المعهودة عندما يتعلق الأمر بفتنة طائفية، وهي الحدة التي تلاشت أمام اليهود في جنوب البلاد، الأمر الذي يؤكد بأن البلاد كلها تحت الاحتلال الإسرائيلي، وأن ما يُسمى بهيئة تحرير الشام ليست سوى أداة أخرى لخدمة الصهيونية، وهذا ما كنا نسمعه منذ بدأت أعمال العنف في سورية مطلع العام 2011.

لم يكن تسليم الجنوب السوري لـ"إسرائيل" مجرد نتيجة للظروف الميدانية، بل كان مخططًا مدروسًا منذ بداية الأزمة، حيث شُوهدت مرارًا لقاءات بين قيادات المسلحين وضباط استخبارات صهاينة في الجولان المحتل. وقد تم الكشف عن تعاون مباشر بين المسلحين و"إسرائيل" من خلال الدعم اللوجستي، والمساعدات الطبية التي كان يتلقاها الإرهابيون في مستشفيات "إسرائيل"، فضلًا عن الضربات الجوية التي كانت تستهدف الجيش السوري كلما حاول استعادة السيطرة على المناطق الحدودية.

في إدلب والمناطق الشمالية، تحولت هيئة تحرير الشام من جماعة تدعي قتال النظام إلى سلطة قمعية تمارس الإرهاب ضد أبناء الشعب السوري، من خلال عمليات الاغتيال والاعتقالات التعسفية ونهب الموارد المحلية. ورغم ادعاءات الجولاني بأنه يطمح لإدارة "مناطق محررة"، فإن الواقع يثبت أنه مجرد وكيل ينفذ أجندات خارجية، حيث أصبحت إدلب ساحة مفتوحة للتدخلات الأجنبية التي تستهدف وحدة سورية واستقرارها.

كل ذلك يتزامن مع تصاعد التحركات الصهيونية في المنطقة، سواء من خلال الضربات الجوية أو التوسع في بناء المستوطنات على حساب الأراضي السورية المحتلة، فيما يواصل الجولاني وأتباعه قتل السوريين تحت ذرائع واهية، مما يؤكد أن المشروع التكفيري ما هو إلا أداة إضافية للمخطط الإسرائيلي – الأمريكي الرامي لتقسيم سورية وضمان تفوق الكيان الصهيوني في المنطقة.

إن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن الحرب على سورية لم تكن يومًا صراعًا داخليًا بحتًا، بل كانت منذ بدايتها جزءًا من مشروع أكبر لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط بما يخدم مصالح القوى الاستعمارية وإسرائيل. وما لم يتوحد السوريون لمواجهة هذا المخطط، فإن مستقبل البلاد سيظل رهينة لأطماع الاحتلال وأذرعه الإرهابية.


* المقال يعبر عن رأي الكاتب