اليمن واستراتيجية القوة: نحو سيادة مستقلة ومستقبل مزدهر
السياسية || محمد محسن الجوهري*
تسعى الشعوب الحرة إلى امتلاك استثمارات قومية استراتيجية تضمن لها الاستقرار والازدهار، حتى وإن لم تكن نتائجها فورية. فالتخطيط للمستقبل لا يقتصر على التنمية الاقتصادية فحسب، بل يشمل بناء قوة وطنية تحمي الإنجازات وتؤمن الاستقلال.
أثبت التاريخ أن امتلاك القوة هو الضامن الحقيقي لسيادة الدول، كما رأينا في النماذج العالمية الكبرى، حيث تستغل القوى العظمى نفوذها العسكري لحماية مصالحها الاقتصادية وفرض سياساتها. فالولايات المتحدة، على سبيل المثال، لم تترسخ كقوة اقتصادية عالمية إلا من خلال فرض الدولار بالقوة، وضمان هيمنة شركاتها عبر التدخلات العسكرية والسياسية، فالحروب التي خاضتها واشنطن لم تكن دفاعًا عن أمنها القومي فحسب، بل كانت تهدف إلى فرض نفوذها الاقتصادي وإبقاء الأسواق العالمية خاضعة لهيمنتها.
في اليمن، عانى الشعب طويلًا من سياسات التبعية والارتهان، حيث تم التلاعب بمقدراته وتحويله إلى ساحة نفوذ تخدم مصالح قوى خارجية، بينما ظل اقتصاده ضعيفًا ومستقبله مرهونًا بقرارات الآخرين. لكن مع تغير المعادلة، برزت الحاجة إلى بناء قوة حقيقية تحمي البلاد من التدخلات وتؤسس لمرحلة جديدة من الاستقلال والازدهار.
وقد أثبت الواقع أن امتلاك اليمن لقوة ردع صاروخية متقدمة كان العامل الحاسم في تغيير مسار الأحداث. فلأول مرة، أصبح بمقدور اليمن فرض معادلاته الخاصة وإجبار القوى الإقليمية على مراجعة حساباتها، بعدما باتت مصالحها الحيوية في مرمى الاستهداف المباشر، مما كبدها خسائر غير مسبوقة.
ولم تقتصر تداعيات هذه القوة على الداخل اليمني فحسب، بل امتدت لتضع اليمن في موقع استراتيجي إقليمي، حيث فشلت القوى الكبرى في تشكيل تحالف جديد لفرض سيطرتها على البحر الأحمر، في ظل تراجع قدرة واشنطن على فرض أجندتها بالقوة.
أما على الصعيد القومي، فقد أصبح اليمن لاعبًا رئيسيًا في دعم القضية الفلسطينية، حيث ساهمت قدراته العسكرية في إحداث تغيير جوهري في معادلات الصراع، من خلال استهداف المصالح الإسرائيلية وإرباك الكيان المحتل، مما جعل مستقبله أكثر اضطرابًا من أي وقت مضى.
لذلك، فإن بناء القدرات العسكرية ليس مجرد خيار بل ضرورة وطنية، فهو لا يحفظ سيادة اليمن فحسب، بل يفتح الباب أمام نهضة اقتصادية حقيقية، بعيدًا عن التبعية والضغوط الخارجية. فبامتلاك وسائل الدفاع والردع، يمكن لليمن أن يفرض احترامه، ويدشن مرحلة جديدة من التنمية والاستقرار، مما يتيح لشعبه فرصًا اقتصادية عادلة ومستقلة.
إن امتلاك أسباب القوة لم يعد ترفًا، بل هو ركيزة أساسية لضمان الاستقلال السياسي، وتعزيز النمو الاقتصادي، وصناعة مستقبل يليق بالشعوب الحرة التي ترفض أن تكون رهينة لإرادة الآخرين.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب