معركة واحدة بين معسكرين لا أكثر
السياسية || محمد محسن الجوهري*
ذكر الله تعالى في كتابه الكريم في أكثر من موضع، أن الابتلاءات في هذه الحياة ليست إلا لفرز الناس بين فريقين: فريق في الجنة وفريق في السعير في الآخرة، وليميز الخبيث من الطيب في الدنيا، وليعلم الله المؤمن من المنافق. ولولا هذه الابتلاءات لكان الناس أمةً واحدةً لا فرق بين الصالح والطالح، وهذا يتنافى مع مقتضى عدل الله. يقول تعالى: ﴿مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ (آل عمران: 179).
وفي زمننا الراهن، ما أكثر الابتلاءات وما أشدّها، لكنها في النهاية تصب في البوتقة نفسها، إذ أصبحت مؤامرات اليهود علنية، معلنين حربهم على الأمة الإسلامية دون مواربة، ولم يعد التقرب منهم مجرد تطبيع سياسي، بل هو إعلان ولاءٍ لهم في حربهم على الإسلام والمسلمين. ولم يعد الصراع مذهبيًا كما كان يُصوَّر في الماضي، بل هو صراع دينيّ محض بين المسلمين واليهود، ولا طرف ثالث في هذا الصراع. قال الله تعالى: ﴿وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ ٱلْيَهُودُ وَلَا ٱلنَّصَـٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ (البقرة: 120).
وقد أوضح الله في كتابه الكريم سُبُل الوحدة الإسلامية، وأمر المسلمين بالتماسك والجهاد في سبيله تحت راية الإسلام الجامعة لمواجهة أعداء الله من اليهود وأهل الكتاب على العموم. قال تعالى: ﴿إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَٱتَّقُوا ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ (الحجرات: 10). ومن هنا، انطلق المشروع القرآني من اليمن، بقيادة آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، مرتكزًا على الثقلين: الكتاب والعترة، ليكونا حصنًا للأمة وسندًا في معركة الحق ضد الباطل.
وهنا يبرز تساؤل مهم: هل الجميع يبحثون عن الوحدة الإسلامية حقًا؟
وهل من يختلف معنا في الاحتفال بمولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، سيتفق معنا في قضايا مصيرية أخرى؟
وهل معاداة اليهود ورفض جرائمهم العلنية في فلسطين وأرجاء العالم الإسلامي سببٌ للفرقة بين المسلمين؟
ثم ما حكم من يرفض تحرير فلسطين ويسعى لدعم العدو الإسرائيلي، ثم يدّعي زورًا أنه في صف المسلمين، في محاولة لشق الصفّ الواحد في مواجهة العدوّ الواحد؟
إن معركة الحق والباطل ليست جديدة، بل هي سُنّة كونية ماضية، وقد قضى الله أن يكون العالم منقسمًا بين فريقين: فريق يسير في طريق الهداية والنور، وآخر يتبع سبيل الضلال والعدوان. وإنّ الأمة الإسلامية اليوم أمام تحدٍّ عظيم، يستدعي منها التمسك بالقرآن الكريم وسنّة نبيها صلى الله عليه وآله وسلم، والاعتصام بحبل الله المتين بعيدًا عن التفرقة والتخاذل. قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ (آل عمران: 103). وإنّ تحرير فلسطين ونصرة المستضعفين ليست مجرد قضايا سياسية، بل هي مقياس لصدق الانتماء لهذا الدين، فمن خذل فلسطين، فقد خذل الأمة بأكملها، وسار في ركب أعدائها.
إن أي وحدة إسلامية لا تعني الإعراض عن الصراع الموجهة ضد الأمة، بل أن تتجه إلى عدوها الفعلي المتمثل في المعسكر الصهيوني بكل مسمياته، فالواقع الميداني يكشف لنا حقيقة الجميع، خاصة ما يحدث في فلسطين، فهي البوصلة في هذا العصر، وبها عرفنا العدو من الصديق، وأدركنا أن الكثير من الأنظمة العربية، كالسعودية هي أنظمة صهيونية خالصة معادية للإسلام والمسلمين، وكل ما يصدر عنها من مواقف وتحركات لا تصب إلا في خدمة الكيان المؤقت، بما في ذلك سعيها لتفريق كلمة الأمة وتمزيق الصف الإسلامي، وربما هذا السبب الرئيسي لبقاء الكيان حتى اليوم، ولا نستبعد أن زوال "إسرائيل" يبدأ بزوال آل سعود.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب