اليمن ودوره في الحرب العالمية المقبلة بين الصين والغرب
السياسية || محمد محسن الجوهري*
التنبؤات باندلاع حرب عالمية ثالثة بين الصين والولايات المتحدة أصبحت أكثر واقعية من أي وقت مضى، حيث يشير العديد من المحللين إلى أن عام 2025 قد يكون مفصليًا في تحديد مستقبل النظام العالمي. الصراع بين هاتين القوتين لا يقتصر على الجانب العسكري فحسب، بل يمتد إلى المجال الاقتصادي، حيث تشكل الصين تهديدًا حقيقيًا للهيمنة الأمريكية على الاقتصاد العالمي، خاصة بعد أن أصبحت وجهة رئيسية لرؤوس الأموال الأمريكية، مستفيدة من بيئة استثمارية جاذبة وكلفة إنتاج منخفضة. هذا التحول جعل الولايات المتحدة أكثر اعتمادًا على المنتجات الصينية، وهو ما يثير مخاوف من تراجع النفوذ الاقتصادي الأمريكي لصالح الصين.
لمواجهة هذا الصعود، اتخذت الولايات المتحدة إجراءات مشددة، أبرزها فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قيودًا تجارية على الصين بهدف تقليص نفوذها في الأسواق الأمريكية، إلا أن ذلك لم يوقف تمددها الاقتصادي. على الجانب العسكري، لطالما اعتمدت واشنطن على تفوقها العسكري لفرض هيمنتها، وكانت حاملات الطائرات رمزًا لهذه القوة التي أرعبت خصومها، وخاصة الصين، حيث تتمركز هذه الحاملات على طول الحدود البحرية الصينية، مما يعزز من الضغط العسكري الأمريكي على بكين.
غير أن المشهد الجيوسياسي شهد تحولًا لافتًا بعد عملية "طوفان الأقصى" في أكتوبر 2023، التي أظهرت بروز اليمن كقوة عسكرية غير متوقعة في البحر الأحمر، حيث تمكنت من تنفيذ هجمات ناجحة ضد السفن والبارجات الأمريكية، مما أجبر حاملات الطائرات على الانسحاب من مناطق استراتيجية. هذه الأحداث كشفت عن تراجع الهيبة العسكرية الأمريكية، وهو ما يشير إلى أن النفوذ الأمريكي، الذي ظل راسخًا لعقود، أصبح عرضة للانهيار. وما زاد الأمر تعقيدًا هو فشل التحالف الدولي الذي شكلته واشنطن لحماية مصالحها في البحر الأحمر، إذ لم ينجح في وقف الهجمات اليمنية، ما جعل واشنطن تبدو كقوة ضعيفة غير قادرة على حماية سفنها أو سفن حلفائها.
في هذا السياق، فإن الموقف الصيني من هذه التطورات يثير العديد من التساؤلات. فعلى الرغم من أن بكين لم تعلن دعمها الصريح للهجمات اليمنية، إلا أنها لم تدنها بشكل واضح أيضًا، مما قد يوحي بأن الصين ترى في هذه الهجمات فرصة لتقويض النفوذ الأمريكي في المنطقة. ولا يمكن إغفال العلاقة بين الصين وإيران، حيث يمكن اعتبار ذلك مؤشرًا على وجود تنسيق غير مباشر بين الأطراف المناهضة للهيمنة الأمريكية على العالم الحر.
رغم أن التصعيد مستمر في أكثر من جبهة، لا يزال هناك احتمال لتجنب حرب شاملة، فالعلاقات الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة معقدة بشكل يجعل أي صدام عسكري كارثيًا لكلا الطرفين وللاقتصاد العالمي ككل. ومع ذلك، فإن استمرار التوترات في مناطق حساسة مثل تايوان، والبحر الأحمر، وأوكرانيا قد يجعل تجنب المواجهة أمرًا صعبًا. قد يتطور هذا الصراع إلى مواجهات عسكرية محدودة تتصاعد تدريجيًا، أو يستمر في شكل حرب اقتصادية باردة تعتمد على العقوبات وسباق التسلح دون الوصول إلى صدام مباشر، أو قد تفضي التفاهمات الدبلوماسية إلى اتفاقيات تهدئة تقسم النفوذ بين القوى الكبرى بطريقة متوازنة.
ما حدث في اليمن يثبت أن القوى الصاعدة قادرة على إعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي العالمي. فالولايات المتحدة، التي كانت اللاعب المهيمن، تواجه اليوم تحديات لم تعهدها من قبل، وأصبحت عاجزة عن حماية مصالحها بنفس القوة التي اعتادت عليها. السؤال المطروح الآن هو: هل ستتمكن واشنطن من احتواء الصين وحلفائها دون الانجرار إلى حرب شاملة؟ أم أن موازين القوى ستشهد تحولًا جذريًا في السنوات القليلة القادمة؟ المستقبل وحده كفيل بالإجابة.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب