السياسية || محمد محسن الجوهري*

تصريحات وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، حول التطبيع مع النظام السعودي تكشف عن حرص الأخير على إرضاء اليهود وقبوله بأي إملاءات صهيونية مقابل إقامة علاقة علنية بين الطرفين. فقد قدم سموتريتش حزمة من الشروط والإملاءات، أولها عدم الحديث عن دولة فلسطينية في المستقبل، والمشاركة في تدمير حركة حماس، بالإضافة إلى التعاون في إزالة أي تهديدات محتملة ضد الكيان الصهيوني.

من ناحية أخرى، تحدثت مصادر إسرائيلية عن نوايا أمريكية لإقناع المجرم بنيامين نتنياهو بالتطبيع مع خمس دول عربية، على رأسها السعودية، لما لذلك من تأثير في تأمين الكيان الصهيوني وتعزيز موقفه تجاه إيران ومحور المقاومة، دون أي اعتبار لآثار هذا التطبيع على النظام السعودي نفسه. وهذا يؤكد أن حكام المملكة يلهثون وراء الصهاينة للتطبيع، حتى لو كان ذلك على حساب الثوابت الدينية والقومية، ومصالح شعوب المنطقة وثرواتها.

لقد رأينا مؤخرًا كيف استطاع دونالد ترامب إجبار آل سعود على دفع 600 مليار دولار دفعة واحدة، وذلك في أول مؤتمر صحفي له في البيت الأبيض، حيث سارع محمد بن سلمان إلى الموافقة على دفعها دون قيد أو شرط، متبعًا بذلك نهج أسلافه في تقديم الجزية لكل حاكم أمريكي منذ تأسيس المملكة قبل نحو مائة عام. وهكذا هو حال الضعفاء في كل زمان ومكان، إلا أن آل سعود بلغوا مستوى غير مسبوق من العمالة والانحطاط على جميع المستويات، دون أي مقابل لهذا الرخص.

ولا مبرر لكل هذا سوى أن النفوس الوضيعة تميل دائمًا إلى اليهود، وتسير وفق مشاريعهم التدميرية، حتى ولو كان ذلك على حساب شعوبهم، فقط لضمان بقائهم في السلطة. وقد رأينا هذا النموذج سابقًا مع بعض الحكام العرب، كالسادات وشاه إيران، لكن الأعراب ذهبوا إلى أبعد بكثير من نظرائهم الخونة. ولهذا وصفهم الله تعالى في كتابه الحكيم بأنهم "أشد كفرًا ونفاقًا".

ولا يقتصر الأمر على الحكام والمؤثرين فحسب، بل يشمل كل نفس وضيعة، مهما كان موقعها في الحياة. فنرى في واقعنا الكثير من النماذج التي تتعصب لليهود دون سبب أو مبرر، سوى أنها تشترك معهم في الانحطاط الأخلاقي والانحراف عن الفطرة السليمة. كما تلعب الصرخة دورًا كبيرًا في فضح هؤلاء وكشف نواياهم، ولو كان شعار البراءة موجّهًا ضد أمة أخرى غير اليهود، لما ترددوا لحظة واحدة في إعلانه، كما هو حالهم عندما يتعلق الأمر بعداء محور المقاومة.

ومن هنا، حرص المنهج القرآني على تزكية النفوس والسمو بها، لتكون شاهدة بالقسط، وناصرة للإسلام والمستضعفين في كل بقاع الأرض. وللأسباب نفسها، حرص اليهود على نشر الفساد والرذيلة بين الشعوب، لأن كل نفس خبيثة تعشقهم. وصدق الله عز وجل حين قال: ﴿فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ﴾ (المائدة: 52).

ومن المخجل والمعيب أن يتجه أي نظام إلى التطبيع بعد عملية طوفان الأقصى، وما تلاها من إجرام صهيوني بحق مليوني فلسطيني في قطاع غزة، وكأن آل سعود يقدمون الشكر للكيان الصهيوني نظير إجرامه ووحشيته غير المسبوقة تجاه أطفال ونساء غزة.


* المقال يعبر عن رأي الكاتب