السياسية || محمد محسن الجوهري*

تعيش منطقة الخليج العربي في ظل أنظمة سياسية دكتاتورية تعاني من فقدان الشرعية الشعبية ومن تزايد الاستياء من سياساتها، فقد أثبتت الأحداث التاريخية أن هذه الأنظمة ليست بعيدة عن مصير مشابه للنموذج السوري الذي شهد تحولات دراماتيكية في السنوات الأخيرة، إن سقوط هذه الأنظمة بات حتميا، ويبدو أنها اليوم أقرب من أي وقتٍ مضى إلى التغيير وسقوط حكم العائلة السلالي.

على مر العقود، اعتمدت الأنظمة في الخليج على الشرعية الدينية لتبرير حكمها، استخدمت هذه الأنظمة الدين كوسيلة لتعزيز سلطتها، مدعية أنها تحكم باسم الإسلام وبمباركة دينية، لكن مع مرور الزمن بدأت هذه الشرعية تتلاشى، وكشفت الأحداث الأخيرة عن موقف هذه الأنظمة من الدين الإسلامي، وأصبح واضحًا أنها ليست أكثر من أدوات لخدمة مصالحها الخاصة، مما أدى إلى فقدان الثقة بها من قبل قطاعات واسعة من المجتمع، وهذا التلاشي في الشرعية الدينية جعل الكثير من المواطنين يشعرون بأنهم محكومون من قبل أنظمة لا تمثل قيمهم أو تطلعاتهم، ففي الوقت الذي يدعي فيه الحكام أنهم حماة للدين، فإنهم في الواقع يلتزمون بسياسات تتعارض مع المبادئ الإسلامية وتعزز من قمع الحريات.

تعتبر القضية الفلسطينية واحدة من أبرز القضايا المحورية للأمة الإسلامية والعربية، ومع ذلك فإن الأنظمة الخليجية لم تكن في الصف الصحيح من الصراع، فبدلاً من دعم حقوق الفلسطينيين، اتجهت بعض هذه الأنظمة إلى إقامة علاقات مع الاحتلال الإسرائيلي، مما أثار استياءً واسعاً في الشارع العربي، هذا التناقض بين ادعاءاتها وواقعها أدى إلى استياء شعبي متزايد، حيث يشعر الكثيرون بأن حكوماتهم تخدم مصالح الغير بدلاً من الدفاع عن حقوق الأمة، إن هذه السياسات لم تؤثر فقط على مكانة الأنظمة الخليجية في عيون شعوبها، بل أضعفت أيضا مصداقيتها على الساحة الدولية، عندما يفقد النظام الدعم الشعبي، يصبح أكثر عرضة للتحديات الخارجية والداخلية.

أثبت النموذج السوري فعاليته في تحريك الشارع ضد الأنظمة الدكتاتورية، وذلك من خلال جماعات مسلحة تدعمها تيارات متطرفة، مثل جماعة الإخوان، هذا النموذج قد يكون ملهماً لدول الخليج، حيث تزداد الدوافع للتغيير وتتصاعد المطالب الشعبية، ففي الوقت الذي شهدت فيه سورية ثورة ضد نظام قمعي، يمكن أن تتكرر هذه التجربة في دول الخليج خاصةً في ظل تمكن الجماعات المعارضة من تنظيم نفسها واستقطاب الدعم، إن الظروف الحالية في الخليج تشبه إلى حد بعيد تلك التي كانت موجودة في سورية قبل اندلاع الأحداث المسلحة، حيث تتزايد الاحتجاجات الشعبية بسبب الفساد والتمييز الاجتماعي، مما يجعل الأنظمة أكثر عرضة لمشاريع مماثلة.

تعتبر قطر لاعباً رئيسياً في دعم الجماعات المعارضة في المنطقة بما فيها تلك التي تعارض الأنظمة الخليجية، وتواصل الدوحة تقديم الدعم المالي والإعلامي للجماعات المرتبطة بالإخوان، مما يعزز من قدرتها على التحرك وتنظيم الصفوف، ويمكن أن تشكل هذه العلاقات تهديداً حقيقياً للأنظمة الخليجية، خاصةً إذا تم توفير الدعم اللازم للجماعات المعارضة في السعودية وغيرها من دول الخليج، إن التفاعل بين هذه الجماعات والنموذج السوري قد يفتح المجال لتكرار سيناريو مشابه في الخليج، فعلى الرغم من القمع الشديد، فإن هناك حالة من الاستعداد لدى الشعوب للتحرك ضد الأنظمة.

تتداخل الأحداث في الشرق الأوسط، حيث يمكن أن تؤثر الصراعات في دول مثل العراق وسورية على استقرار الخليج، وتزايد الضغوط الإقليمية والدولية قد يسهل من مهمة التحركات الشعبية ضد الأنظمة القمعية، فعندما تتزايد الضغوط من القوى الكبرى ومنظمات حقوق الإنسان يصبح من الصعب على الأنظمة الخليجية الاستمرار في تجاهل مطالب شعوبها، وهذه الضغوط قد تساهم في تعزيز حركات المعارضة وتجعل الأنظمة أكثر عرضة للتغيير.

إن الأنظمة الدكتاتورية في الخليج ليست محصنة من التغيير، مع تلاشي الشرعية الدينية وتزايد الاستياء من المواقف السياسية، ودعم الجماعات المعارضة، قد تجد هذه الأنظمة نفسها أمام تحديات غير مسبوقة، فالنموذج السوري على الرغم من كل ما حمله من آلام وصراعات قد يكون دليلاً على أن التغيير ممكن وأن الشعوب الخليجية لن تظل صامتة أمام قمعها وإذا استمرت الظروف الحالية، فلا يمكن استبعاد احتمال حدوث تحولات جذرية في الخليج، مما قد يؤدي إلى زوال الأنظمة الدكتاتورية واستعادة الشعوب لحقوقها وحرياتها.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب