السياسية || صادق صالح الهمداني*

المتتبع للمشهد السياسي وتطورات مستجدات الاحداث المتسارعة على الصعيد العربي عليه ان يتوقف ليقرأ الاحداث قراءة متأنية فاحصة لما بين السطور بعيدًا عن إنسياق وسائل الاعلام وراء ما يروج له الإعلام الصهيوني والاعلام المتصهين.

وهنا لا بد من الإشارة إلى نقطه مهمة في معركة الوعي للربط بين ماضي الأحداث وحاضرها لإستشراف المستقبل بوعي مستنير من خلال وضع النقاط على الحروف ليتضح المعنى، ومن ثم البناء على مستجدات الاحداث وتداعياتها اليوم في المنطقة، وما يجري في سوريا وما يعد من سيناريوهات يتم الترويج لها بوعي أو بدون.

وهنا سنستشهد بما كنت قد تطرقت اليه في رسالتي التي تقدمت بها لنيل درجة الماجستير من كلية الاعلام جامعة صنعاء في العام 2022 م، تحت عنوان اتجاهات النخبة اليمنية نحو الأداء المهني والأخلاقي للصحافة الرقمية، وبالتحديد ما يتعلق "بظهور العصر الرقمي وما أحدثه من تغيرات في الواقع السياسي العربي بعد 2011م، جراء استخدام التقنية الإعلامية كونها سلاح جديد بيد الدول الكبرى أطلق عليه (القوة الناعمة)، ليحل محل السلاح التقليدي بهدف السيطرة على دول العالم الثالث؛ إذ لم تعد الجيوش وحدها تقرر مصير الحروب ورجحان كافة الأطراف المتقاتلة، إنما بالمعلومات التي يملكها كل طرف حول الطرف الآخر ومدى سرعة انتشارها وتأثيرها".

في ظل عدم إدراك خطورة الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا المتقدمة في الاتصال والإعلام، وهوما أشار إليه التقرير رقم (1352) الصادر في 1964/4/27م، الذي تمت مناقشته في دورة الكونجرس الأمريكي الـ (88) وأكد في مضمونه على "تحقيق مكاسب، وأهداف سياسية خارجية، من خلال التعامل مع الشعوب الأجنبية بدلا عن الحكومات باستخدام أدوات وتقنيات الاتصال الحديثة، مع إمكانية القيام بإعلامهم والتأثير في اتجاهاتهم، بل وجرفهم وجبرهم على سلوك معين، يؤدي في النهاية إلى ممارسة ضغوط حاسمة على حكوماتها"، وهذا ما ظهر في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية من خلال "الفيس بوك" و"تويتر" الذي لعب دوراً مؤثراً فيما يسمى بثورات الربيع العربي؛ تمثل في قدرة وسائل التواصل الرقمية على تشكيل الاتجاهات، وتوفير عوامل الاستقطاب للتأثير على المواطن، وفي ساحات مفتوحة للحوار، وعملت على زعزعة أمن واستقرار عدد من الدول العربية، حيث تصدرت مواقع التواصل "فيس بوك" ذلك المشهد، وقد كشف تقرير حول شبكات الهاتف المحمول عن زيادة كبيرة في استخدام الفضاء الرقمي بعد ثورات الربيع العربي في مصر، حيث لعب "فيس بوك" و"تويتر" دوراً فاعلاً في تحريك الشارع ما أدى إلى تخلي عدد من رؤساء الدول العربية عن السلطة في كل من تونس ومصر، واليوم في سوريا ..

لقد تحول "الفيس بوك" و"تويتر" من الشؤون الاجتماعية إلى الاهتمامات بالشؤون السياسية للدول، وأصبحت الصفحات السياسية تفوق الصفحات الرياضية والفنية فيما لم تدرك الحكومات مستوى وحجم المسؤوليات لرعاية الفئات العمرية الحرجة من الشباب؛ فتم استغلال تقنيات التكنولوجيا والبطالة؛ ليجد الشباب فيه متنفساً للتعبير عن أرائهم السياسية التي لا يستطيعون الجهر بها في العالم الواقعي الذي يعيشونه غير مدركين لأبعاد ومرامي تلك المخططات..

وما يحدث اليوم من انجراف مجاميع كبيرة من الناشطين وراء تلك المخططات في الترويج لها والإنسياق دون وعي، ومنها ما يحدث في سوريا من تأمر واضح لحرف المسار عن مساندة ودعم غزة والتخفيف عن تركيز الرأي العام العالمي الذي كان قد بدأ يطالب بمحاكمة مجرمي الحرب الصهاينة وعلى رأسهم رئيس وزراء الكيان الصهيوني المجرم نتنياهو ووزير دفاعه المقال غالانت.
وعلى وقع الكارثة الناتجة عن ارتكاب العدو الإسرائيلي للمجازر وجرائم حرب الابادة الجماعية ضد أبناء الشعب الفلسطينيين في غزة. ومن ثم لفت الانظار إلى ما يحدث في سوريا لإشغال الرأي العام بما حدث في سوريا وبالتحديد في العام 2011م وفعلاً انصرف الرأي العام وراء ذلك فيما كان عليه ان يتابع المشهد في غزة حيث قتل كيان الاحتلال الاسرائيلي أكثر من 140الف من ابناء الشعب الفلسطيني في أكثر من 400 يوم منذ السابع من اكتوبر 2023م، واصاب أكثر من 110 الف اخرين جلّهم من الأطفال والنساء .. والمؤلم الذي يندى له جبين الانسانية ان يمنع كيان الاحتلال فرق الإسعاف من الوصول إلى الجثث المتناثرة في شوارع وازقة غزة وتركها للكلاب تنهشها في وحشية بشعة لم تشهدها البشرية من قبل..
فأيهما أولى في معركة الوعي اليوم تستحق الاهتمام وتوجيه الانظار إليها في هذا الظرف العصيب..

هل شغل الناس بمعارك هامشية في سوريا؟ وإفساح المجال لكيان العدو الإسرائيلي المدعوم من دول الاستكبار العالمي امريكا وبريطاني للاستمرار في إرتكاب المزيد من المجاز وجرائم حرب الإبادة الجماعية في غزة..

على الجميع مراجعة الحسابات فالعدو هو كيان الاحتلال الاسرائيلي ومصدر الشر والإرهاب والإجرام والخطر الذي يتهدد المنطقة العربية والإسلامية والعالم هو التمدد والتوسع الصهيوني الذي يتمدد اليوم في سوريا ودون ان تحرك تلك الجماعات المدفوعة من تركيا أي ساكن..
على العرب والمسلمين مراجعة حساباتهم وعدم الإنجرار وراء ما يروج له الاعلام الصهيوني البقية في العدد القادم.

* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه