السياسية:

شارل أبي نادر*



لا يمكن بتاتًا فصل ما حصل في الشمال السوري، وتحديدًا في الغزوة المفاجئة للمجموعات الإرهابية المسلحة على حلب وإدلب وحماه، والتي نجحت حتى الآن في السيطرة على مساحات واسعة من المحافظات السورية الشمالية، عن العدوان "الإسرائيلي" الواسع على لبنان وعلى غزة.

وفي الوقت الذي استطاع فيه الجيش السوري وحلفاؤه إيقاف وتأخير تقدم تلك المجموعات على ثلاث جبهات رئيسية: ريف حلب الجنوبي الشرقي وريفَي حماه الشمالي والشمالي الغربي وريفي اللاذقية الشرقي والجنوبي الشرقي، ما زالت تلك المجموعات تضغط بقوة لتوسيع سيطرتها جنوبًا وغربًا، رغم ما يسقط لها من خسائر بشرية ضخمة، لامست المئات خلال الأيام القليلة من العملية حتى الآن.

فما أسباب نجاح هذه المجموعات الإرهابية في توسيع سيطرتها بهذه الطريقة الصادمة؟ وما أهداف الأطراف الرئيسة التي رعت وأدارت وقادت هذه الغزوة؟

بداية، كان لافتًا مشاركة كل مجموعات المسلحين الذين ينتشرون في الشمال السوري في هذه العملية، تحت قيادة غرفة عمليات واحدة، وذلك رغم الانقسامات والخلافات العنيفة والدموية التي طالما طبعت علاقة تلك المجموعات في ما بينها، ومع وجود غطاء خارجي لدور فاعل لـ"هيئة تحرير الشام" ذات الجذور المصنفة عالميًا مجموعة إرهابية، مما يؤكد وجود قوة خارجية، فرضت هذا الدور ونسقت هذا التكاتف والتعاضد والمشاركة لمختلف مجاميع المسلحين في العملية.

ثانيًا، كان لافتًا وجود تنسيق عالٍ جدًا في إدارة عملية هجوم هذه المجموعات، حيث تم تنفيذ مناورة هجومية مدروسة ومخططة، هي بعيدة ومتقدمة جدًا في مستواها العملياتي عن الفوضى وعن المستوى الهزيل الذي كانت دائمًا تقاتل به هذه المجموعات، الأمر الذي يؤكد أيضًا وجود منظومة قيادة وسيطرة بمستوى جيش متطور، من المستحيل أن تمتلكها هذه المجموعات أو أن تكتسبها، حتى خلال سنوات من التدريب والتنظيم.

ثالثًا، كانت لافتة أيضًا الأسلحة والتجهيزات العسكرية التي استعملتها تلك المجموعات، من أجهزة اتصال متطورة إلى مسيرات هجومية فعّالة ضد الأفراد وضد المدرعات، إلى آليات سريعة ومجهزة برشاشات ثقيلة ومتوسطة، وكل ذلك لم يكن بتاتًا من العتاد المعروف تقليديًا لدى تلك المجموعات.

من هنا، يبرز الدور الخارجي في رعاية هذه العملية بشكل مباشر، وذلك على الشكل الآتي:

"إسرائيليًا": كان واضحًا الدور "الإسرائيلي" في إدارة منظومة الاتصالات، دعمًا لوسائط اتصال المجموعات الإرهابية، وتشويشًا على وسائط اتصال الجيش السوري وحلفائه، وتحديدًا استعلاميًا دقيقًا لأهداف أساسية لجبهات الجيش السوري وحلفائه.

أيضًا، لعبت الاعتداءات "الإسرائيلية" المتواصلة على الداخل السوري، والتي سبقت غزوة المسلحين، دورًا استباقيًا في تقييد حركة وانتشار وحدات محور المقاومة الداعم ميدانيًا وعسكريًا للجيش السوري في المحافظات الشمالية التي استهدفتها المجموعات الإرهابية، وخاصة في أرياف حلب الشمالية والجنوبية الغربية، الأمر الذي أفقد جبهة الدولة السورية عنصرًا أساسيًا في القتال والدفاع.

تركياً: لا يمكن فهم أي قدرة تحرك لتلك المجموعات بهذه الطريقة اللافتة، دون دعم ومباركة وتوجيه من تركيا، استعلاميًا وعسكريًا ولوجستيًا، مهما أنكرت تركيا ذلك، وتبريرات الأخيرة لغزوة المسلحين هذه، بوجود اتفاقات خفض التصعيد، خير دليل على الدور المتقدم لأنقرة في هذه العملية.

أطلسياً: عدة مؤشرات ميدانية وعسكرية رافقت عملية المسلحين، يمكن أن نستنتج منها دورًا فاعلاً لـ"الناتو" في دعم العملية أيضًا، منها المقاتلون الأوكران والمسيرات الأطلسية التي لعبت دورًا حاسمًا في المعركة، بالإضافة للإدارة المدروسة للعملية على مساحات تجاوزت مئات الكيلومترات، بشكل يفوق بالتأكيد إمكانية المجموعات الإرهابية المشتتة والمتباعدة أصلاً.

وانطلاقًا من الأدوار الأساسية للأطراف الخارجية المذكورة أعلاه، في دعمها المباشر لغزوة الشمال السوري، يمكن استنتاج مصالح هؤلاء في إنجاح هذه العملية، وذلك كالآتي:

لـ"إسرائيل" مصلحة أساسية في إضعاف الدولة السورية والعمل لسحبها من محور المقاومة وإجبارها على إقفال معابر التواصل الميداني والعسكري واللوجستي لأطراف المحور.

لتركيا مصلحة كبيرة في توسيع الضغوط على الدولة السورية وعلى الرئيس الأسد، بهدف تنفيذ أجندتها السياسية في سورية، والتي فشلت في تحقيقها خلال كامل محاولاتها في عشرية النار، حيث كانت رأس الحربة في استهداف وحدة وسيادة الدولة السورية.

وأخيرًا، لـ"الناتو" مصلحة واسعة في الضغط على روسيا عبر الورقة السورية، وحيث يعتبر أطراف "الناتو" من أمريكيين أو أوروبيين أن في إبعاد الرئيس الأسد أو إضعافه كحليف أساسي للرئيس بوتين في الشرق الأوسط، سيكون لذلك تأثير سلبي على النفوذ الروسي على السواحل الشرقية للبحر الأبيض المتوسط، وامتدادًا على موقف روسيا وعلى موقعها الدولي، والذي نجحت حتى الآن في تعزيزه، رغم التحالف العالمي الواسع ضدها على خلفية الحرب في أوكرانيا.



* المادة نقلت حرفيا من موقع العهد الاخباري