السياسية || محمد محسن الجوهري*

ليس غريباً على بلاد صعدة أن تضم أكبر عددٍ من رفاة الشهداء، فهي مهد المشروع القرآني وأولى حاضناته الشعبية، ومنها انطلقت جموع المجاهدين لتكسر شوكة الوصاية الغربية على اليمن، قبل أن يدرك الآخرون عظمة المسيرة القرآنية ويلتحقوا بمواكب الخالدين.

فساحات صعدة وطرقاتها مكتظة بصور الشهداء، كما أن كل ديارها مليئة بذكرياتهم ووصاياهم المنادية بالحفاظ على المسار الجهادي ومقارعة كل الطغاة وعملائهم حتى يظهر الله أمره على الدين كله، وهو ما نرى طلاعئه تتحقق اليوم بعد انطلاق عملية طوفان الأقصى.

والأعظم من ذكريات الشهداء هو بركة الشهادة التي تتجلى اليوم في أبنائهم العظماء، ممن يحملون راية الجهاد على نهج آبائهم، ويتسابقون على ساحات الوغى لرفع الراية التي لم ولن تسقط حتى نرى الفتح الموعود وتحرير ديار المسلمين كافة من هيمنة الصهاينة واحتلالهم، لا سيما أرض فلسطين والمسجد الأقصى.

وما نراه في صعدة هي سنة إلهية تحدث عنها الإمام علي عليه السلام عندما قال: "بقية السيف أنمى عدداً"، وبالفعل، فقد أفشل الله رهان الكفار على إذعان أهلها بالموت، وانتقلت راية الجهاد من جيلٍ إلى آخر لتؤكد أن راية الإسلام وآل البيت لن تسقط، وأن تضحيات الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء تثمر عزاً وكرامة في أرض صعدة وسائر البلاد اليمانية.

والمسيرة هي نفسها من عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، كما أن أعداء الإسلام هم أنفسهم لم يتبدلوا إلا في بعض التفاصيل الخارجية، ولولا مساندة معسكر الأعراب والنفاق نفسه لهم، لما تجرأوا على ما يرتكبونه من إجرام في غزة ولبنان وبلاد المسلمين عامة.

وبما أن الحقائق قد اتضحت للجميع، وتوحد اليهود والأعراب وسائر المنافقين في خندق واحد بقيادة بني إسرائيل، فإن الله عز وجل قد تكفل بنصرة الإسلام والمسلمين شريطة أن يقاتلوا ذلك المعسكر تحت راية الله وبقيادة أوليائه، وهذا أشد ما يخشاه الصهاينة اليهود ويعلمون أن به يكون هلاكهم الأبدي، أو على الأقل، عذابهم الخالد إلى يوم القيامة.

ولمن لا يعلم فإن الحرب هي بين الفريقين أنفسهم منذ انطلاق شرارتها الأولى عام 2004، ولكنها بدأت بأرخص الأدوات المحلية ثم الإقليمية، ثم المواجهة المباشرة المذكورة في سورة الإسراء باسم "وعد الآخرة".

وكما تجاوزنا المرحلتين الأولى والثانية من العدوان الصهيوني على بلادنا، فإن تجاوز المرحلة الثالثة أسهل بكثير بعد أن اتضحت قيمة الولاية لآل البيت، ودورها في مقارعة الظالمين والنيل منهم، وليس هناك في الساحة غير طريقي الحق والباطل، والمحايد بين المعسكرين منافق، كما أن نصف الطريق بين الحق والباطل باطل، كما قال بلال بن رباح رضي الله عنه.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب