بقلم: أندريو كوريبكو*

(صحيفة “در فرايتاج” الألمانية، ترجمة: نشوى الرازحي-سبأ)-

 

قوبل الإعلان بأن دولة الإمارات العربية المتحدة بصدد خفض عسكري واسع النطاق في اليمن بتصفيق حاد من قبل أنصار الله الذين يعتقدون أن هذا بمثابة اعتراف غير رسمي بفوزهم في الصراع، ولكن هذه الاحتفالات سابقة لأوانها لأن الغالبية العظمى من أراضي الدولة لا تزال خارج قبضة جماعة الحوثيين حتى وإن كان عدد السكان في المناطق التي تحت سيطرتها يشكلون الغالبية العظمى.

وقد وُجِد أن الحل الأكثر واقعية من الناحية السياسية للحرب يتمثل في إضفاء الطابع المؤسسي على الانقسامات العميقة للدولة من خلال تطبيق نموذج “فيدرالي” والذي بحكم الأمر الواقع يتمثل في استعادة  الاستقلال القديم الذي يعود إلى حقبة الحرب الباردة حقبة انفصال شمال اليمن عن جنوبه.

نقطة تحول

يتحدث صُناع القرار في جميع أنحاء العالم عن الآثار المترتبة على التراجع العسكري الواسع النطاق الذي أعلنت عنه الإمارات العربية المتحدة مؤخراً في اليمن، مع الفكرة السائدة أن هذا ما هو إلا اعتراف غير رسمي بانتصار حركة أنصار الله (“الحوثيين”) في الصراع . صحيح أن هذا التطور مهم للغاية بالنسبة للجماعة المسلحة لأنه يحول دون بدء أي هجمات أخرى ضد الأراضي الخاضعة لسيطرتها، مما قد يؤدي إلى استقرار الخطوط الأمامية وبدء حملة مساعدات عالمية لتخفيف المعاناة التي يرزح تحت وطأتها ملايين الأشخاص فيما تم الاعتراف به مسبقاً على أنه أسوأ أزمة إنسانية في العالم. في الواقع، ربما لم تكن دولة الإمارات العربية المتحدة قد فعلت ذلك لو أنها وحلفاؤها السعوديون قد نجحوا في الاستيلاء على ميناء الحديدة الاستراتيجي الواقع تحت سيطرة أنصار الله، وأدى ذلك الفشل إلى تفعيل الأحداث اللاحقة التي أدت إلى قرارها بسحب معظم قواتها من اليمن.

أنصار الله والمجلس الانتقالي الجنوبي

ربما تكون حركة أنصار الله قد بدأت على شكل تمرد قبلي وسط أقلية دينية في المنطقة الجبلية في شمال اليمن، ومن ثم تطور ذلك التمرد ليصبح حركة أكثر شمولاً تُزيّنها أهداف وطنية وحُرة أكثر إقناعا، لا سيما بعد تحالفها مع الجيش اليمني في السعي لطرد جميع القوات الأجنبية من البلاد.

وبالمقارنة، فإن حكومة الرئيس هادي “المعترف بها دوليًا” لا تتمتع بأي دعم محلي على الإطلاق، وقد استُخدمت أساساً لتكون ذريعة لتبرير التدخل العسكري للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن ضد أنصار الله.

والمِعقل الذي اتخذت منه مقراً لها والمفترض أن يكون داعماً لها، مدينة عدن الساحلية في الجنوب، يخضع لسيطرة قوات المقاومة الجنوبية، الجناح المسلح للمجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يريد استعادة استقلال البلاد وعودتها إلى حقبة الحرب الباردة القديمة. وهذا بحد ذاته هو ما هيأ الوضع لنتيجة أكثر واقعية من الناحية السياسية لهذا الصراع في أعقاب انسحاب الإمارات العربية المتحدة.

مع سيطرة أنصار الله على الأجزاء الأهم ديموغرافياً واقتصادياً من المنطقة الشمالية التي كانت من 1962 إلى 1990 تُعرف رسميا بالجمهورية العربية اليمنية وسيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من قبل الإمارات العربية المتحدة على المنطقة الجنوبية التي كانت من 1962 إلى 1990 تُعرف جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، يكون قد تم إيجاد أسرع طريقة لإنهاء الحرب من خلال إضفاء الطابع المؤسسي على الانقسامات العسكرية والسياسية القائمة بالفعل في اليمن من خلال تطبيق نموذج “فيدرالي” يعترف بحكم الأمر الواقع لأنه يمكن كلا الطرفين من التغلب على الجمود الذي أُقحم فيه.

ومع ذلك، فإن هذا السيناريو يظل بعيد عن “النصر” الذي كانت جماعة أنصار الله تأمل في تحقيقه وهو يحقق جميع مآرب المجلس الانتقالي الجنوبي والراعي الإماراتي. ولكن على الرغم من ذلك ما يزال لوضع الأمني للمملكة العربية السعودية على طول حدودها الجنوبية معقداً إذ اتضح أن المملكة لم تخرج بشيء من حملتها المُكلِفة غير “الحكم الذاتي” لأنصار الله على شمال اليمن ودولة “الأخ الأصغر” (دولة الإمارات العربية المتحدة) الجديدة في الجنوب.

انتصار “متفق عليه”

يمكن اعتبار إنهاء المرحلة الحركية (العسكرية) لهذا الصراع انتصارا إنسانياً، لكن هذا لا يغير حقيقة أنه من المحتمل ألا يكون أي طرف باستثناء المجلس الانتقالي الجنوبي قادراً على المطالبة بجانب سياسي. فشلت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة في تدمير أنصار الله على الرغم من تفوقهما العسكري التقني وحرب الاستنزاف المدمرة التي تقومان بشنها، والتي تتحدث في ذات الوقت عن براعة جماعة الحوثيين المسلحة التكتيكية والقدر الكبير من الدعم الذي تحظى به من سكان المناطق التي تحت سيطرتها.

من جانبها، فشلت حركة أنصار الله، في السيطرة الكاملة على البلاد، ولا سيما الأراضي السابقة في جنوب اليمن الذي استاء شعبها منذ فترة طويلة مما يزعمون أنه هيمنة الشمال غير العادلة على وطنهم بعد الوحدة في العام 1990 وخاصة بعد نهاية الحرب الأهلية القصيرة التي نشبت في 1994.

ومع ذلك، فإن الغالبية العظمى من سكان اليمن يقيمون في المناطق التي تقع تحت سيطرة جماعة الحوثيين، ولذلك يمكننا القول أنهم نجحوا في سعيهم لأن يصبحوا الممثل السياسي الأكثر أهمية في البلاد.

وهذا بدوره قد مكّن أنصار الله من الادعاء بأنهم هم الذين يمثلون الحكومة اليمنية حقاً وليس هادي، الذي لا تتمتع قواته بأي تأثير في نفس المدينة التي جعل منها مقراً رسمياً له عند مقارنته بالمجلس الانتقالي الجنوبي الذي يتمتع بشعبية أكبر هناك.

تم شن الحرب التي تقودها السعودية لإبقاء اليمن دولة موحدة تحت سلطة زعيم الرياض بالوكالة، ولكن من المفارقات أن وصلت الأحداث إلى تقسيم الأمر الواقع في البلاد ليعود إلى حدود ما قبل حقبة الحرب الباردة القديمة قبل عام 1990 دون أن تحتفظ المملكة بأي “مجال للنفوذ” حتى على أرضها. وبدلاً من ذلك أصبحت السعودية تعتمد على “الشقيق الأصغر” “(فبحكم الأمر الواقع، بات محمد بن عبدالعزيز يلقن محمد بن سلمان التعليمات بفضول) كي يظل على صلة بجنوب اليمن. من المؤكد أن المملكة العربية السعودية لم تتمكن من إمساك العصا من منتصفها بعد إنفاق مئات المليارات من الدولارات على الحرب، وعدم الحصول على أي شيء مقابل “إنفاقها”، ولا حتى بيئة أمنية معززة بعد تطوّر القدرات العسكرية لأنصار الله ، التي باتت الآن تقصف الأراضي السعودية بصورة منتظمة.

“الأخ الصغير” في الطابق العلوي و “الأخ الأكبر” في الطابق الأسفل

وبخلافها، خرجت دولة الإمارات على الأقل بشيء من مشاركتها في هذه الحملة بعد الحصول على عدة قواعد إقليمية إستراتيجية طوال فترة الصراع والظهور كوسيط قوة في القرن الإفريقي. علاوة على ذلك، اكتسبت أبو ظبي أيضاً تجربة لا تقدر بثمن في إدارة مجموعات المرتزقة وتدريب القوات المحلية، بينما ظلت مساهمة الرياض في الحرب تهبط إلى حد كبير ولم تتخذ أبداً أي شكل جدي على الأرض.

وعلى هذا النحو، يمكن القول أن المملكة العربية السعودية – إما بسبب “فرط الحذر” لتجنب الإصابات وعدم الكفاءة، و / أو الخوف التام من أنصار الله – أهدرت ما كان يمكن أن يكون فرصة ثمينة “لتدريبها القوات العسكرية في الميدان بينما استفادت دولة الإمارات العربية المتحدة من هذا الأمر ومن المرجح أن تطبق ما تعلمته في النزاعات القادمة (والتي ربما ستشعلها بشكل غير مباشر من خلال العديد من تشكيلات المرتزقة التي تم تجميعها منذ ذلك الحين).

ومن المثير للاهتمام، أن “الأخ الأصغر” تفوق على “الأخ الأكبر” ومن المرجح أن لا تعود علاقتهما ببعضهما البعض كسابق عهدها.

أفكار ختامية

مع الأخذ في الاعتبار كل ما تم التطرق إليه في هذا التحليل، يمكن للمرء أن يقول أنه بينما حقق كل مشارك آخر في الحرب بعضاً من أهدافه (أنصار الله، الإمارات العربية المتحدة) أو أهدافه جميعها تقريباً (المجلس الانتقالي الجنوبي)، لم ينجح السعوديون بأي شيء آخر عدا منع سيطرة أنصار الله الكاملة على اليمن.

إن الوضع الأمني في المملكة أسوأ مما كان عليه عندما بدأ الصراع ولم يعد له أي تأثير مباشر في جاره، بل اضطر إلى الاعتماد على “أخيه الصغير” للحفاظ على وجوده في أجزاء من جنوب اليمن.

وبقيام دولة الإمارات بـعمليات “الرفع الثقيل”، من المُحتَّم أن تندفع المملكة العربية السعودية للخروج من أجل”إنقاذ ماء الوجه” من الحرب كذلك لأنها أثبتت أنها غير قادرة على تغيير الديناميات في صالحها من تلقاء نفسها، لا سيما وأن جُلّ عملها حُصر في قصف اليمن فقط وعدم القتال حقاً على الأرض والسيطرة على الأراضي مثل حلفائها.

على الرغم من أنه لا يمكن القول أن أنصار الله قد فاز في الحرب اليمنية المدنية الدولية لأنها لا تسيطر على البلاد بأكملها، إلا أنها لم تخسرها أيضاً، وبهذه المقارنة المخزية تكون السعودية لوحدها.

___

*أندريو كوريبكو هو محلل سياسي  أميركي مقيم في موسكو يعمل لدى مؤسسة الأبحاث الدولية  متخصص في شؤون الاستراتيجية الأمريكية في الأفرو-أوروآسيا ، والرؤية العالمية لطريق واحد للحزام الصيني لربط طريق الحرير الجديد، والحرب الهجينة. كما أنه مساهم دائم في الأبحاث العالمية