د / أمين الجبر*

لقد استطاعوا، وبكل جدارة أن يحولوه من مجرد يوم عابر تتلو فيه بعض الدروشة والتسابيح في صحون بعض الجوامع وبعض المجالس، إلى يوم تاريخي مشهود للعالم أجمع، كيف؟ لا..

وقد جعلوا منه أضخم احتفائية احتشادية شهدها اليمن المعاصر، ليس لأنهم استنفروا كل طاقاتهم بغية انجاحه، ووظفوا كل امكانياتهم بقصد اظهاره بالشكل الذي يليق وحسب، إنما لأنهم جعلوا منه ومن الأهمية الاحتفائية به، يوما عظيما يعكس عظمة الإسلام وقوة حضوره الإيماني في الوجدان الجمعي للأمة، ويكرس عالمية الرسالة والرسول الأعظم، حيث تجاوز المحلية المذهبية، والاعتيادية التقليدية إلى فضاءات الروحانية المطلقة، وعالمية الرحمة الإنسانية..
صحيح قد يتفق البعض معهم أو يختلف في بعض التفاصيل أو بعض الهوامش.. حول مشروعيته وحول جوازه، وربما حول الإنفاق في إقامته بحجة عوز الناس وانقطاع الراتب، لكنهم بحق قد اعطوه زخما ايمانيا منقطع النظير، بل واحياء متجددا لبعض قدسياته، التي ما لبثت أن تخبو زمنا، بفعل السياسة وتمذهباتها.. إن المناسبات الدينية ككل، ومنها مولد الرسول الاعظم ينبغي على الجميع إتخاذها بمثابة محطات.. مراجعة، وتزويد، ووئام، بل وانطلاقة نحو تحقيق استراتيجيات الإسلام المركزية وعالميته الإنسانية الجامعة.. لا أخال أن جهودهم الكبيرة تلك تقتصر على مجرد التحشيد والتحشيد فقط.. كما يحلو للبعض وصف ذلك، كونهم لم يعودوا بحاجة إلى تحشيد القطيع وجمهرته.. فقد أصبحوا أمرا واقعا حتم على المحيط الإقليمي والدولي التعامل معه بإيجابية بل وفرض اجندته وخياراته العسكرية في البر والبحر ، ناهيك عن السكون والرضى الداخلي المنسجم إلى حد كبير، لولا بعض من تذمرية إنقطاع الراتب وتباعاته بين ألحين والآخر..
إنهم بلا شك ينظرون إلى الأمور من زاوية كبيرة، وبأفق واسع يتناسب مع حجم طموحاتهم ، ويتساوق وصوابية طرحهم،الذي يدعوه، أو يفصحون عنه في كل مناسبة، بحيث يتجاوز تلك الاعتبارات الضيقة، ويفوق تلك النظرة المذهبية القاصرة، إذ تبدى العالم الاسلامي راهنا، وفي خطاباتهم وادبياتهم متشاطرا بين محور مقاومة / ممانعة ومحور تطبيع ومماتعة حسب تعبيرهم، بفعل الافرازات الدولية المتسارعة والصراعات البؤرية هنا وهناك، فليس ثمة خيار لديهم أو لدى معارضيهم الـ(بين بين) أو المراوغة أو المداهنة، فإما تكون صراحة (مع أو ضد)..إذ لا منطقة رمادية أو وسطى في قاموس السياسة البرجماتية.. ..وفي هكذا حدية إيمانية، ومعيارية مبدئية تتلاشى معها جميع المبررات والتسويفات، وتنمحي جل التباينات،والتناقضات، ليصبح من ثم الكل الإسلامي جبهويا موحدا في خندق دفاع واحد، وصوب عدو واحد، ولا عذر لمتخاذل أو متحاذق..
إنهم، بأية حال، طفرة نوعية ، إن لم يكونوا نقلة كمية وكيفية في مسار الحراك الإسلامي الخامل الذي نقل الأمة من حالة التنظير التبريري المزمن، إلى مرحلة الفعل البرجماتي الممكن، إن أرادوا ذلك بطبيعة الحال.. بغض النظر عن طبيعة الخلافات البينية، والمتقاطعات الفكرية التي بلا ريب يستطيع الكل التغلب عليها وتجاوز تبعاتها والانصهار في بوتقة إيمانية جامعة ، وذلك تبعا لما تقتضيه طبيعة المرحلة الجهادية، ويحتمه منطق التوحد والتلاحم مع عالمية مشروعهم القرآني الذي يرفعوه، وكونهم الأجدر مبادرة، والأقوى إمكانا، والأجرأ فعلا، بل والأصدق قولا وعملا.. فيا ترى هل يستطيع الاجتماع السياسي اليمني بكل نخبه التقاط اللحظة ؟ واستغلال زمام المبادرة؟.. ناهيك عن الاجتماع السياسي للأمة بكل اطيافه ، بل و صيرورة الشعوب التواقة للحرية والعدالة..
أم مازالت تتحكم على الذهنيات رواسب المذهبيات ، وتبوصل العقول بقايا التحزبات، بل وتمنطق الأفكار جدلية الايديولوجيات ..
الأمر سهل وممكن اذا صدقت النوايا.. وقدمت التنازلات..
عيد مولد مبارك ..على صاحبه وآله وصحبه أفضل الصلاة والتسليم .

* عميد كلية الآداب– جامعة ذمار
* المصدر : 26 سبتمبر
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه