السياسية || محمد محسن الجوهري*

من المعروف أن الولايات المتحدة والغرب بشكلٍ عام، قد نجحت في تطويع مناطق واسعة في العالم، بينها العالم العربي عبر التدخلات الاستخباراتية، التي تسبق وتعقب أي تطبيع مباشر للعلاقات الدبلوماسية مع حكومات تلك البلدان.

ومع تراجع مكانة واشنطن الدولية، وتراجع قبضتها الاستخباراتية في العالم، يحوم الخطر مجدداً على عملائها في الوطن العربي بالتحديد، بعد أن أثبتت اليمن أن القوة الأمريكية تتلاشى وتعجز عن التدخل العسكري في حال تعرضت أدواتها على الأرض للضبط والاعتقال.

وهذا بحد ذاته يشجع الدول ذات النزعة التحررية على قمع أي بوادر لأنشطة استخباراتية أمريكية، وفي حال نجحت في ذلك، فإن حظوظها في الاستقلال والحرية تتعاظم شيئاً فشيئاً، على غرار ما يتحقق اليوم في النموذج اليمني.

والحرب في اليمن مع عملاء أمريكا على أشدها، والنشاط الأمني يتوسع يوماً بعد آخر، ويتضح مع كل انتصارٍ أمني حجم المؤامرة الأمريكية على البلاد، وكيف أرادت استعباد شعبٍ بأكمله من أجل دوافع شيطانية بحتة.

أما عن مصير عملاء أمريكا في اليمن، فالأقرب أن ما ينتظرهم هو مصير أي عميلٍ أو جاسوس اعتقلته أمريكا نفسها على أراضيها، باختلاف الأدوات والوسائل لا أكثر.

ويشير التاريخ الأمريكي المعاصر إلى أن سياستها دأبت على إعدام أي شخص تثبت عمالته للخارج، كما فعلت بعائلة "روزنبرغ" عام 1953، والتي أُعدِم أفرادها صعقاً بالكرسي الكهربائي، في ولاية نيويورك، بتهمة الموالاة للاتحاد السوفييتي.

وقد أنتجت الولايات المتحدة المئات من الأفلام والأعمال الفنية المحرضة على قتل الجواسيس والعملاء السوفييت، وعملت على تبرير أحكام الإعدام والاعتقالات التي طالت الآلاف من مواطنيها بتهمة الانتساب لحركات شيوعية معارضة للتدخلات الأمريكية خارج حدودها.

الأسوأ من كل ذلك، أن المخابرات الأمريكية نفسها، تبدأ بتصفية عملائها، أو بالتخلي عنهم، وتركهم لقمةً سائغة لدولهم، بعد أن أمضى البعض منهم عقوداً طويلة في خدمة المصالح الأمريكية.

في تقريرٍ نشرته وكالة "رويترز" بتاريخ 29 سبتمبر 2022، تحت عنوان (America’s Throwaway Spies) كشف أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) تخلت عن ستة من أبرز عملائها في إيران، ولم تقدم أي جهود لحمايتهم بعد أن أدرك أولئك العملاء أن السلطات الإيرانية بدأت بتتبع أنشطتهم.

وبحسب رويترز، فإن الـ CIA أهملت فجأةً نظام الاتصالات السرية مع الجواسيس ما سهل كشفهم للمخابرات الإيرانية، وساعد في سرعة اعتقالهم، كما أن سفارتي واشنطن في أبوظبي وأنقرة رفضتا منح عملاء آخرين تأشيرات دخول الأراضي الأمريكية، ما اضطرهم للعودة إلى إيران، ومن ثَمَّ اعتقالهم على الفور.

وأضاف التقرير أن وكالة المخابرات الأمريكية تتخلى عن عملائها بسرعة، وحتى قبل اعتقالهم، وتبرر ذلك بأنه من أجل دفع الشبهة عن العملاء أنفسهم، إضافة إلى احتمالية أن يتحولوا إلى عملاء مزدوجين، وأن يعملوا لصالح أوطانهم، ولذلك لم تقدم حتى بعض التعويضات المالية لعائلاتهم، أو منحهم حق اللجوء على أراضيها.

وهذا هو المصير الأقرب لبقية العملاء في اليمن وغير اليمن، وقريباً سيتم تفكيك المزيد من الشبكات العدائية الأخرى، حيث لا أمل لتلك العناصر في أن تحظى بحماية أمريكية، طالما وأنهم في نظر الأمريكيين عرضة لأن يكونوا جواسيس مزدوجين، والأيام القادمة تحمل الكثير من بشائر النصر لشرفاء اليمن والعالم.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب