السياسية || محمد محسن الجوهري*

إن زوال "إسرائيل" من الوجود حتمية لا بد منها، ولكن ليس بالضربة القاضية كما يعتقد البعض، بل على تلاشي الكيان عبر مراحل مختلفة، ومن يقرأ تاريخ كيان العدو سيدرك متى وكيف ستكون النهاية.

وكما وصل اليهود إلى أوج قوتهم عام ١٩٦٧، عبر مستويات متتالية من السيطرة المباشرة على الأرض، فإن تلاشي كيانهم سيمر عبر تلك المراحل، لكن بشكلٍ عكسي.

وبغض النظر عن الرد الإيراني الأخير، فإن الخطوة التالية في مسلسل الانهيار الإسرائيلي هي في الضفة الغربية والجولان السوري المحتل، وهي المناطق التي تركز فيها "إسرائيل" اليوم على تكثيف الاستيطان، وحشر أكبر عدد من اليهود بداخلها، وبالتالي فإن استهداف تلك المستوطنات يشكل ضربة موجعة لليهود، تقابل انتصارهم الكبير في يونيو ١٩٦٧، أو ما يسمى بالنكسة العربية.

وبحسب الإحصائيات الرسمية للكيان، فإن نحو ٧٠٠ ألف يهودي يعيشون في الضفة الغربية، نصفهم تقريباً في القدس الشرقية المحتلة، والبقية موزعون على نحو مائة مستوطنة في مناطق الضفة، إضافة إلى نحو عشرين ألف بهودي في الجولان السوري المحتل.


ورغم مساعي الكيان إلى جعل تلك المستوطنات عامل قوة له بفلسطين، إلا أنها بالمقابل تشكل نقطة ضعف عليه، ويسهل على من يستغلها أن يوجه ضربة كارثية للاحتلال الإسرائيلي.

والسبب أن تلك التجمعات اليهودية عصية فقط على المواطن الفلسطيني لو أراد اقتحامها لكثرة ما بها من تحصينات، إلا أن تلك المستوطنات سهلة جداً للقصف الجوي والصاروخي، وسينتج عن ذلك خسائر كبيرة ومركزة في الأنفس، وهو ما يحذر منه مراقبون صهاينة.

فالتجمع في بؤر منفصلة يتيح لمن يقصف "إسرائيل" ضرب المستوطنين اليهود دون إلحاق الضرر بالسكان المحليين من أبناء الشعب الفلسطيني.

وفي المقابل فإن القصف الأخير وأي قصف جوي قادم تتعرض له تلك المستوطنات سيكون كارثياً إذا ما رافقه طوفان بشري للشعب الفلسطيني، ما يبشر بكارثة كبرى ينتظرها الكيان قد تكون قاصمة في حال تحققت حسب ما هو مخطط له.


ولو فقدت "تل أبيب" السيطرة لساعات فقط على الضفة الغربية، فإن نتائج ذلك ستكون أكبر من تلك التي تعرضت لها مستوطنات غلاف غزة في أكتوبر الماضي، ولا بد حينها من سحب أكبر عدد ممكن من المستوطنين إلى الداخل الفلسطيني المحتل، أو ما يُعرف بأراضي ٤٨.

وبحسب مركز الدراسات الفلسطينية، فإن الضفة الغربية تحوي على نحو ١٤٠ مستوطنة وتجمع يهودي، منها ١٢ مستوطنة في محيط مدينة القدس، ويسكنها نحو مائتا ألف يهودي، جميعهم معرضون للموت الجماعي في حال خرج الوضع الأمني عن السيطرة الإسرائيلية، سيما وأن شبح طوفان الأقصى، وما نتج عنها من خسائر فادحة، لا يزال يرعب الصهاينة.

ومن المعروف أيضاً أن الجيش الإسرائيلي تسبب في ارتكاب مجازر مروعة بحق مستوطنيه في ٧ أكتوبر، وذلك يضيف رعباً أكبر على اليهود في الضفة الغربية.


وحتى تتجاوز "إسرائيل" التحدي الراهن، وتداعيات ما بعد الضربة الإيرانية، ولتتفادى هزيمتها في الضفة الغربية، فإن عليها أن تعود لسياسة قادتها الأوائل التوسعية، والبدء باحتلال أراضٍ عربية جديدة، وهذا شبه مستحيل في الوقت الراهن.

وحتى لو قررت ذلك بالفعل، فليس أمامها سوى الأردن أو صحراء سيناء المصرية، وهنا ستضطر للتضحية بأهم شريكين للكيان الصهيوني، وتخسر بذلك حماتها الحقيقيين على الأرض.

وفي جميع الأحوال على "إسرائيل" أن تحقق إنجازاً عسكرياّ يوازيه توسع على الأرض، مالم فإن الخطوة القادمة هي انحسار الوجود الصهيوني في الضفة الغربية، وهذا بدوره يمهد لما يسميه اليهود باليوم الأخير أو كما يسمونه يوم (هدين)، وهو اليوم الذي سيكون فيه هلاكهم قبل هلاك دوناً عن سائر البشر.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب