بقلم: كونستانس بيلابرات

ترجمة :أسماء بجاش-سبأ:

 

بالرغم من الوعد الذي قطعته دولة الإمارات العربية المتحدة بالانسحاب من حرب اليمن, إلا أن العمليات القتالية اشتد رحاها في هذا البلد.

الحرب التي تقودها دول التحالف العربي في اليمن لا يبدوا لها نهاية, فعلى الرغم من اعلان دولة الإمارات الانسحاب الجزئي لقواتها وإدراجها ضمن “منطق السلام”، إلا أن الصراع اليمني أصبح ميئوس منه, ونظراً لكون الحرب الباردة التي اتخذت من اليمن مسرحاً لها, إلا أن هذا الوضع بدأ بتلاشي شيئاً فشيئاً بين المملكة العربية السعودية وإيران، وبالرغم من ذلك لا تزال اليمن التي عرفت باسم العربية السعيدة في القدم غارقة في مستنقع الأزمة الإنسانية.

اعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة الانسحاب الجزئي لقواتها من اليمن, حيث انتهجت نهج “السلام” وذلك على خلاف نهج “الإستراتيجية العسكرية” السابقة,  فهذا البيان الرسمي صدر بعد أن وافق متمردي جماعة الحوثي المقربون من إيران، على التخلي عن بعض المناطق التي احتلوها في مدينة الحديدة الساحلية الواقعة غرب البلد.

واستناداً لذلك البيان, عملت دولة الإمارات على إعادة جزءاً من معداتها العسكرية إلى ارض الوطن, ومع ذلك، فعلى الرغم من إعادتهم لمدفعيتهم الثقيلة من دبابات وطائرات, إلا أن العديد من القوات المسلحة لا تزال متواجدة على الأراضي اليمنية, والأهم من ذلك أن إعلان “السلام” فشل في كبح جماح العمليات القتالية التي إتسمت بالعنف المتصاعد.

في 1 أغسطس 2019, أدى الهجوم الصاروخي المزدوج الذي شنه الحوثيون بطائرة مسيرة وصاروخ باليستي والذي استهدف حفل تخرج ضباط في معسكر الجلاء الواقع غرب العاصمة المؤقتة عدن, حيث أسفر هذا الهجوم عن مقتل 17 من رجال الشرطة, وجرح آخرين, كان من بينهم القيادي الجنوبي  اللواء منير اليافعي المدعوم إماراتيا.

هجوم أخر استهدف مدينة عدن تبنته الجماعات الجهادية، إلا أن سفير الإمارات العربية المتحدة في اليمن “محمد بن سعيد الجابر” اتهم على الفور المتمردين بالوقوف وراء هذا الهجوم، وبالتالي إيران.

وبطبيعة الحال، فإن الأمم المتحدة تدعو جميع الأطراف إلى وقف التهدئة ووقف التصعيد.

حث وزير الداخلية اليمني  والموالي للحكومة السعودية من مدينة عدن “أحمد الميساري” السكان على عدم الرد على الهجمات الحوثية المتكررة, حيث انتهج  من خلال تغريده على موقع التواصل الاجتماعي تويتر, نفس النهج الذي اختارته الحكومة الاماراتية على لسان وزير الشؤون الخارجية أنور قرقاش “الرد على العنف ليس حلاً”, إذ تظهر هذه الرسالة رغبة الإمارات في أن تنأى بنفسها عن مناورة أفضل في هذا البلد، بما في ذلك الانفصال التدريجي عن المملكة العربية السعودية, ففي حال كانت الرياض وابو ظبي متحالفتان بصورة رسمية، فإن الحكومتين لا تسعيان إلى تحقيق نفس الأهداف في اليمن.

وفي حال  أرادت الإمارات أن تجعل من هذا البلد جزءاً لا يتجزأ من سياسة النفوذ الإقليمي، فإن المملكة العربية السعودية تعتبر اليمن امتداداً حقيقياً لسيادتها، كما لن تتردد في إقامة تحالفات مع جماعة الإخوان المسلمين العدو التاريخي للإماراتيين.

سقطرى الهدف:

انفصلت دولة الامارات عن المملكة العربية السعودية، وبالتالي, أصبح الآن بإمكان الإمارات المناورة بشكل أفضل كما يحلو لها، وذلك نظراً لوجود أكثر من تسعة آلاف جندي تابعاً لها على الأراضي اليمنية.

فمن جانبها, كانت الرياض متحفظة بشأن هذا الانسحاب، من أجل السعي إلى محاولة ثني الإمارات عن اتخاذ مثل هكذا قرار, فالسبب الذي يقف وراء هذا التصرف السعودي يكمن في أنه من دون دعم الإمارات لا يمكن للمملكة العربية السعودية أن تكسب الحرب ضد الحوثيين,وهذا هو السبب في عدم وجود مخرج من الصراع الدائر في اليمن.

أشار الباحث أحمد ناجي من مركز كارنيجي في الشرق الأوسط ومقره بيروت إلى أن  الإمارات تحاول  تعزيز القوى المحلية بتكوين نخبة جديدة كما هو الحال في سقطرى, فهذا لا يعني بالضرورة انسحابهم من البلد, ولكن هذا بمثابة طريقة جديدة للسيطرة على القوات المحلية, إذ يمكن أن تكون حركة القوات هذه مرتبطة بالمشاكل التي تواجه دولة الإمارات العربية المتحدة في جنوب اليمن وهي منطقة استراتيجية من وجهة نظر أبو ظبي.

تسعى الإمارات إلى تحقيق توطيد وجودها في جزيرة سقطرى، الواقعة على بعد 350 كم جنوب شرق اليمن، قبالة ساحل الصومال, فهذه الجزيرة اليمنية مصدر يسيل له لعاب الإمارات, إذ تحاول ضمها منذ مايو من العام 2018, حيث أرسلت أكثر من مائة جندي والعديد من المعدات العسكرية, فهذا القرار تم اتخاذه دون تشاور مسبق مع الحكومة اليمنية، ومن جانبه, ندد رئيس الوزراء اليمني في ذلك الوقت أحمد بن داغر بهذه التصرفات, وبالتالي لم تتمكن السلطات الإماراتية من الحصول على موافقة السلطات اليمنية, فهذه الجزيرة تمثل مصلحة إستراتيجية كبيرة لأبوظبي، التي ترغب في جعلها قاعدة بحرية ومركزاً تجارياً في بحر العرب.

لعب دور بطولي:

يؤكد الباحث ياسين التميمي أن حقيقة إعلان خفض عدد القوات العسكرية الإماراتية في اليمن لا علاقة له بتطور الوضع الجغرافي السياسي للخليج”.

يرى الباحث فرانسوا فريسون روش من “المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي- “CNRS  والمدير السابق لمشروع “المساعدة الانتقالية في اليمن”، والذي اختارته الحكومة الفرنسية مستشارا لدى الجمهورية اليمنية ليساعد اليمنيين في وضع الدستور اليمني الجديد في فترة انعقاد مؤتمر الحوار الوطني ولجنة صياغة الدستور في الفترة ما بين 2012 إلى 2014, أن دولة الإمارات العربية المتحدة حساسة جداً فيما يخص  صورتها أمام المجتمع الدولي، فهي تريد أن تلعب الدور البطولي في اليمن”.

كما تولي دولة الامارات اهتماماً بالغاً تجاه الصورة والرسالة التي يرسلونها إلى المجتمع الدولي, وعلاوة على ذلك فأن هذا أحد الأسباب التي تجعلهم أقل تعرض من السعودية في الحرب اليمنية.

ومن جانبه, أضاف عالم السياسة الإماراتي “عبد الخالق عبد الله” أن “الإمارات تفعل كل ما في وسعها لإظهار أنه إذا اشتعل فتيل الحرب, فأن هذا لن يكون خطأهم، لا سيما فيما يتعلق بإيران، إذ يجب عليهم منذ انسحابهم تهدئة العلاقات مع طهران التي تدعم المتمردين الحوثيين.

وهذا ما يؤكده نهج التقارب الأخير بين الإمارات العربية المتحدة وطهران، حيث اجتمع البلدين لأول مرة منذ ست سنوات، على الرغم من تصريحات مسؤول إماراتي، والذي اشار من خلالها أن هذا اللقاء تطرق إلى سبل السلامة البحرية.

فدولة الإمارات تريد قبل كل شيء الهروب من حرب يمكن التنبؤ بها، كونها جغرافيا على خط المواجهة ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

 

(مجلة “كوسور-“causeur الفرنسية)

المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر و بالضررورة لايعبر عن رأي الموقع.