معركة واشنطن الدعائية: الكابلات البحرية بوابةً لـ«التأليب»
السياسية:
لقمان عبد الله*
إلى جانب الضربات الجوية التي تنفّذها ضد اليمن لمساندته قطاع غزة، تخوض الولايات المتحدة حروباً أخرى موازية، لا تقلّ أهمية عن تلك الضربات، تشمل الحملات الإعلامية والحروب النفسية والدبلوماسية والترغيب والترهيب. والغاية من كل هذه المعارك واحدة، وهي حمل اليمن على إنهاء الحصار الجزئي الذي يفرضه على إسرائيل، وهو ما تُستخدم من أجله الماكينات الحليفة أيضاً، خصوصاً في منطقة الخليج.
وتدّعي الآلية الدعائية ضد صنعاء، تارة، أن استهدافات اليمن للسفن الإسرائيلية تؤثّر على التجارة العالمية وتؤخّر وصول القمح والدواء إلى الدول الفقيرة، فيما يترك من يقفون خلفها، تارة أخرى، السفينة البريطانية «روبيمار» أسبوعين في خليج عدن بعد إصابتها بصاروخ، لتغرق، ومن ثم يسخّرون وسائل إعلامهم للادّعاء بأن غرقها يهدّد بكارثة بيئية.
اليوم، أُضيفت إلى الوضع العسكري المتوتّر في البحريْن الأحمر والعربي، قضية قطع خطوط الإنترنت التي تربط أوروبا بكل من آسيا وأفريقيا، حيث أُفيد عن قطع أربعة كابلات.
وعلى رغم أن هذه الكابلات انقطعت في 24 شباط الماضي، حيث لاحظت منظمة «NetBlocks» أن الوصول إلى الإنترنت في جيبوتي في شرق أفريقيا يعاني من انقطاعات، غير أن خبر الانقطاع تصدّر، أول من أمس، وسائل الإعلام الأمريكية وتلك التي تدور في فلكها في منطقة الخليج. ويبدو أن إشارة أُعطيت للوسائل المذكورة لتوظيف عملية القطع بما يخدم السردية الأمريكية مباشرة بعد إعلان شركة «HGC Global Communications»، ومقرّها هونغ كونغ، أن الخطوط المقطوعة تشمل آسيا وأفريقيا وأوروبا، وبوابة أوروبا والهند، و«سيكوم» و«تي جي إن الخليج».
وقالت إن التراجع في الخدمة أثّر على 25% من حركة المرور المتدفّقة عبر البحر الأحمر. ووصفت طريق هذا البحر بأنه حاسم لنقل البيانات من آسيا إلى أوروبا، قائلة إنها بدأت في إعادة توجيه حركة المرور لتلبية زبائنها.
على النحو المتقدّم، نصّبت شركة «HGC» نفسها حكماً بزعمها أن المسؤول عن الهجمات وتعريض أربعة كابلات بحرية للتلف في البحر الأحمر هو «أنصار الله».
وقالت الشركة، في بيان، إنها «تلقّت أخيراً بلاغاً بحادثة تلف أربعة كابلات (Seacom، TGN، AAE-1، EIG) من أصل أكثر من 15 كابلاً للاتصالات البحرية في البحر الأحمر غربي اليمن»، مضيفة أن «هذا أمر نادر الحدوث وكان له تأثير كبير على شبكات الاتصالات في الشرق الأوسط، بنحو 25%». وتابعت أنها قامت بتدابير فورية للتخفيف من أي اضطرابات، وصمّمت «خطة تنوّع شاملة لإعادة توجيه حركة المرور المتأثّرة، ما يضمن عدم مرور اتصالات عملائنا عبر الكابلات التالفة خلال هذه الفترة. أولويتنا هي الحفاظ على الاتصال السلس وتقليل أي انقطاعات محتملة».
جاء تعطّل الكابلات ليكشف دور الإمارات التي يُرجّح أن تتّخذ من ذلك الحدث ذريعة لتعزيز تدخّلها
من جهتها، تدخّلت صنعاء لتصويب الأمور؛ فوصف وزير الاتصالات في حكومة تصريف الأعمال، مسفر النمير، ما يروّج له الإعلام الغربي بأنه «كذب وتضليل»، واضعاً إياه في إطار «الأكاذيب الصهيونية» عبر شركة «HGC»، وهي شركة مسجّلة في بريطانيا وغرفتها التجارية وتغلّف نفسها باسم شركة «هونغ كونغ للاتصالات».
وأضاف أن «الشركة نشرت خبراً عن 4 كابلات، وكأنها تعطّلت الآن، لتتناقله مواقع وقنوات منها CNN. والواقع أن لا جديد عن حادث انقطاع 3 كابلات في 24 شباط».
وتتهم صنعاء، واشنطن ولندن، بأنهما وراء تعطّل كابلات الإنترنت لتشويه سمعة «أنصار الله»، ومحاولة استقطاب دول المنطقة المتردّدة في الانخراط معها في تحالف «حارس الازدهار»، من خلال إشعارها بخطورة التطوّرات على أمنها.
هكذا تحوّلت قضية قطع الكابلات من فنية وتقنية، إلى ورقة في صراع البحر الأحمر. وفي مقابل ذلك الاستغلال، دعت حكومة صنعاء، شركات الاتصالات العالمية، إلى التنسيق المسبق مع هيئة الشؤون البحرية اليمنية قبل الدخول إلى المياه الإقليمية اليمنية والقيام بأي أعمال صيانة أو إصلاح للكابلات، مؤكّدة في بيان استعدادها «لمنح تصاريح لسفن الكابلات البحرية والتعاون معها والتعريف بالسفن لدى القوات البحرية اليمنية من باب الحرص على سلامتها».
وكانت الهيئة المذكورة قد أرجعت ما حدث للكابلات البحرية الدولية في البحر الأحمر إلى خلل ناتج من عسكرة هذه المنطقة وتحركات القطع البحرية الأمريكية والبريطانية، مؤكدة حرص صنعاء على سلامة الأمن المعلوماتي الدولي في البحر الأحمر.
كذلك، أكّد قائد حركة «أنصار الله»، السيد عبد الملك الحوثي في أحد خطبه، عدم وجود أي نوايا لدى حركته لاستهداف الكابلات البحرية، مشيراً إلى أن قوات صنعاء لا علاقة لها بأي تلف حاصل.
ولا تقتصر الحملة على صنعاء من بوابة تعطّل الكابلات على واشنطن فقط، بل تشمل أيضاً أبو ظبي التي يُرجَّح أن تتخذ من ذلك الحدث ذريعة لتعزيز تدخّلها.
يذكر أن الإمارات تحتل جزيرة ميّون في مضيق باب المندب، وتوظّف شبكة وكلاء محليين من مثل «المجلس الانتقالي الجنوبي» وميليشيات المرتزق طارق صالح، كما استدعت نفوذ إسرائيل إلى المنطقة، تحت حجة التصدي للنفوذ الإيراني.
ومنذ توقيع «اتفاقيات أبراهام»، تسوّق أبو ظبي دورها الأمني لدى واشنطن كحليف موثوق يمكن الاعتماد عليه في مواجهة أنشطة طهران في باب المندب وخليج عدن والبحر الأحمر.
* المصدر: الاخبار اللبنانية
* المادة نقلت من المصدر بتصرف