غسان الاستانبولي

قبل عملية “طوفان الأقصى”، كان البعض يعتقد أنَّ حديث أطراف محور المُقاومة عن توحيد ساحات المواجهة مع الكيان الصهيوني ليس إلّا شكلاً من أشكال الفانتازيا السياسية والإعلامية أو أنّها، وفي أحسن الأحوال، لا تتعدى كونها حرباً نفسيةً يعتمدها بقصد التهويل على الكيان وداعميه، إلّا أن ما حدث أثبت، وبالدليل العملي القاطع، أن توحيد الساحات تحوّل من شعار إلى قرارٍ استراتيجي لا رجوع عنه، وأن دخول كلّ طرفٍ من أطراف المحور إلى ساحة الاشتباك هو موضوعٌ اتخذته غرفة عمليات المحور بشكلٍ جماعي ومُنسقٍ ومدروسٍ من كل النواحي، بما في ذلك ظرف وحالة كلّ طرف، كذلك التوقيت والكيفية والنتائج المتوقعة.

وبحسب مجريات الحرب، من الواضح أن أطراف ساحات الاشتباك التي أصبحت موحّدة، من إيران حتى فلسطين، مروراً باليمن والعراق وسوريا ولبنان، وضعوا خطّتهم لمواجهة الكيان الصهيوني، فما ركائز هذه الخطّة؟

أولاً

إجبار العدو على أن يستخدم، ومنذ الأيام الأولى للحرب، كامل طاقاته البشرية والعسكرية، وذلك نتيجة قوّة الضربة التي تلقاها في 7 أكتوبر/تشرين الأول، والتي كانت أكبر بكثيرٍ من قدرته على ابتلاعها أو تمريرها بردّ فعلٍ مُنخفض أو حتى مُتوسط المستوى، وهذا ما أنهك الكيان خلال وقتٍ قصير، ودفعه إلى ارتكاب أخطاء كبيرة، مثل قتل آلاف المدنيين، بمن فيهم النساء والأطفال، وتدمير البيوت بلا مُبرر، واستهداف الصحافيين وقوافل المُساعدات الإنسانية، ما تسبّب بكشف طبيعته الإجرامية أمام العالم.

ثانياً

جرّ العدو للدخول في حرب استنزافٍ طويلة الأمد يصعب عليه تحمّل انعكاساتها، ليس بسبب نقص كمية الذخائر، ولا بسبب حالة الخوف واليأس فحسب، بل بسبب تركيبته المُجتمعية التي تجبره على استدعاء الغالبية العظمى من مُستوطنيه للانضمام إلى الجيش، وهذا له بالغ التأثير في الحالة الاقتصادية والمعيشية والنفسية لكل أفراد المجتمع. يُضاف إلى ذلك منع العدو من الحصول على إنجازٍ عسكري يقدمه لجمهوره على أنّه نصرٌ يُبرّر له وقف الحرب.

ثالثاً

الحرب الإعلاميّة التي اعتمدتها أطراف المحور، وخصوصاً الطرف الفلسطيني، وذلك بالتوثيق وحرب الصورة، وهي نقطةٌ في غاية الأهمية، ولا سيّما أنها استخدمت بنجاحٍ خلال 3 مراحل؛ أولها، خلال اقتحام فصائل المقاومة الفلسطينية القواعد العسكرية في محيط مدينة غزّة، وفضح هشاشة وضعف “الجيش” والأمن الإسرائيليين، ما رسّخ انطباعاً داخلياً في الكيان، وخارجياً في الدول التي تأمل مساعدة الكيان العسكرية لها في أيّ نزاعٍ أو خطرٍ قد تتعرض له. مفاد هذا الانطباع أنّ هذا الكيان أضعف من أن يستطيع حماية مستوطنيه وأصدقائه.

أمّا المرحلة الثانية من الحرب الإعلاميّة، فهي توثيق الفظائع التي ارتكبها الكيان، والتي نشرها عبر العالم، وهذا سببٌ مهمٌّ من أسباب تبدّل مُعظم الرأي العام الخارجي تجاه “إسرائيل”، والمرحلة الثالثة هي عند بدء الغزو الإسرائيلي البري للقطاع. وقد وثّق وبثّ المُقاومون الصور ومقاطع الفيديو وهم يلتحمون مع دبابات وعربات العدو ويفجرونها من “مسافة صفر”، وكان لذلك بالغ الأثر في معنويات جنود الاحتلال وحالتهم النفسية.

رابعاً

استخدام أطراف الحلف أقلّ جهدٍ مُمكنٍ من المقاتلين والسلاح، تاركين الكيان ليزج في الحرب بكلّ جنوده، وبغالبية سلاحه، وهذا ما سيؤثر بشكلٍ كبيرٍ في الأداء والنتائج، وخصوصاً مع استمرار الحرب لوقتٍ طويل.

خامساً

التركيز على استمرار العمليات التي توقع بالعدو أكبر الخسائر المُمكنة، سواء كانت هذه الخسائر في صفوف عناصر “الجيش” أو في سلاحهم أو في إجبار المستوطنين على النزوح إلى أماكن أكثر أماناً، تاركين مُنشآتهم وأراضيهم الزراعية التي كانت تمدّ السوق بما يلزم. بالتأكيد، مراكمة هذه الخسائر ستلقي بظلالٍ قاتمةٍ على “إسرائيل”، قيادةً وجيشاً ومُستوطنين.

سادساً

إيصال المستوطنين الصهاينة إلى قناعةٍ راسخة بأنّ أمنهم سيكون معدوماً ما داموا موجودين على أرضٍ يحتلها كيانهم، وبالتالي لا أمان لهم إلّا بعودتهم إلى دولهم الأساسيّة. ومن الواضح لكل مُتابعٍ أنّ الهجرة الصهيونية المُعاكسة بدأت منذ اليوم الأول للحرب.

سابعاً

بما أن الولايات المتحدة الأميركية ستقوم بدعم “إسرائيل”، وضع المحور خططه للرّد على الأميركي بما يتناسب مع حجم الدعم المُقدّم. وفي هذا السياق، يتمّ الآن استهداف القواعد الأميركية في كلٍّ من العراق وسوريا والبحر الأحمر. ومن الطبيعي أن تكون الخطط جاهزةً لاستهداف المصالح الأميركية في المنطقة، إذا دعت الحاجة.

ثامناً

استطاع المحور بطرفه اليمني أن ينقل الصراع إلى البحر الأحمر، مُحقّقاً هدفين في آنٍ؛ أولهما هو إيصال رسالة إلى الأميركي تقول إنّ المحور قادرٌ على التحكّم في الممرات المائية العالمية، وأنّ زمن التحكّم الأميركي المُنفرد بهذه الممرات قد انتهى، والهدف الثاني هو حصار الكيان الذي يعتمد بشكلٍ كبيرٍ على مُستورداته وتجارته عبر البحر الأحمر (80% من احتياجاته الأساسية، و34.6% من قيمة تجارته).

أخيراً

لقد بات واضحاً أنّ أمل الحكومة الإسرائيلية الوحيد هو توريط الولايات المتحدة الأميركية بحربٍ واسعةٍ وشاملةٍ مع أطراف المحور.

وفي هذا السياق، يأتي تجاوزها الخطوط الحمر، وخصوصاً استهداف دمشق وبيروت، كما أنّ أمل الإدارة الأميركية الوحيد هو العمل على حلّ حكومة نتنياهو، لأن هذه الإدارة ربّما وصلت إلى قناعة مفادها أن غضب اللوبي الصهيوني الذي سيصبّ في صناديق اقتراع الرئاسة الأميركية القادمة سيكون أقلّ بكثيرٍ من غضب صواريخ محور المُقاومة وهي تصبّ في الصناديق نفسها.

 

  • المصدر: الميادين نت
  • المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع