د. فؤاد عبدالوهَّـاب الشامي*

 

أمريكا قائدةُ النظامِ العالمي الجديد والتي تفرضُ هيمنتَها على معظم دول العالم، وتتحاشى مواجهتَها كُـلُّ الدول، بما في ذلك روسيا والصين، وقد اعتمدت أمريكا على قوتها العسكرية الهائلة في ردع كُـلّ من يفكر في الوقوف أمامها مهما كانت قوته أَو حجمه.

وكانت التوقعاتُ الأمريكيةُ تشيرُ إلى أن الذي سيفكِّرُ في مواجهتها من العرب لا بُـدَّ أن يكونَ دولةً تملكُ قوةً كبيرةً؛ ولذلك عملت أمريكا من وقت مبكر على إنشاء نُخَبٍ حاكمة تخضعُ لهيمنتها وتؤمنُ بقوتها، وكان دورُ هذه النخب هو العملَ على إقناع الشعوب بأن أمريكا لا تُقهَرُ وَقوةٌ جبارةٌ لا يمكن لأية دولة الوقوفُ أمامها، وعلى الأمم والدول الخضوع لهيمنتها إذَا أرادت طريق السلامة، وهذا ساعَدَ أمريكا على إنهاءِ أيةِ فكرةٍ للتمرد عليها في مهدِها، وأصبحت معظمُ الدول العربية مستسلمةً لها وتنفِّذُ كُـلّ ما تأمرها به، وعند ذلك شعرت أمريكا أن ربيبتها “إسرائيل” أصبحت في مأمن من أي خطر يمكن أن تتعرضَ له، خَاصَّة بعد أن بدأ قطارُ التطبيع يتحَرّك.

وفي خضم شعور أمريكا بالنصر، ظهرت قوىً مقاوِمةٌ تمرَّدت على الأنظمة والقوانين التي فرضتها أمريكا على الدول والشعوب، ولديها الاستعدادُ للوقوفِ أمام المشاريع الأمريكية في المنطقة، وتتمثَّلُ هذه القوى بمحورِ المقاومة، وحاولت أمريكا تحاشِيَ المواجهة معها؛ حتى تقلِّلَ من خطورتها على مصالحها، وبعدَ معركة “طُـوفان الأقصى” تحَرّك محور المقاومة ضد الكيان الصهيوني.

ودخلت اليمن المعركة إلى جانب المجاهدين بقوة، وقد حاولت أمريكا احتواءَ الموقف من خلال الترهيب والترغيب، ولكن اليمن أصرَّت على موقفها وصعَّدت من تحَرّكاتها في البحر الأحمر، وأكّـدت أن عمليتها لن تتوقفَ إلَّا بعد أن يرتفعَ الحصارُ عن غزة ويتوقفَ قتلُ الفلسطينيين؛ فأُصيبت أمريكا بالارتباك؛ فهدّدت وتوعدت وشكَّلت تحالفاً دولياً لحماية السفن في البحر الأحمر، ولكن ذلك لم يؤثِّرْ في موقف اليمن، وهذا أوقع أمريكا في موقفٍ محرِجٍ؛ لأَنَّها كانت متعوِّدةً على أن الدولَ والحركاتِ تنصَاعُ لرغباتها عندما تعلنُ أنها سوفَ تتدخَّلُ في أيةِ قضيةٍ معتمِدةٍ على هيبتها الدولية وعلى تحَرُّكات أدواتها في المنطقة المستهدَفة، ولم تكن تتوقَّعُ من اليمنيين الضعفاء الذين يواجهون حرباً مدمِّـرةً في بلدهم أن يصعِّدوا من مواقفهم مقابل التصعيد الأمريكي، ولم تشعر أمريكا إلَّا وهي في مواجهةِ قوةٍ تعتبرُها ضعيفةً ولم تتمكّن من تحقيق أي انتصار في هذه المواجهة غير المتكافئة، وهذا يعني أن هيبتَها وهيمنتَها على المحك وأن مصالحَها ومشاريعَها في خطر داهم.

* المصدر: موقع أنصار الله

* المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب