السياسية || نصر القريطي *

يستحق كل القادة الإسرائيليين عسكريين ومدنيين ان يحاكموا بسبب جرائم الحرب اليومية التي ترتكب في غزة لكن “بنيامين نتنياهو” سيُغيَّب لبقية عمره خلف القضبان حتى وان لم تطله يد العدالة الدولية..
يدرك “نتنياهو” جيداً ان حرب الإبادة التي يقودها ضد الفلسطينيين كانت طوق نجاةٍ مؤقتٍ حال دون اقصائه ومحاكمته في إسرائيل لكنه اليوم سيقدّم ككبش فداءٍ لكل الفشل والعجز الإسرائيلي الامريكي الذي لازم حرب الإبادة الجماعية في غزة..
تقول شبكة “إن بي سي” أن إدارة بايدن “تتطلع إلى ما بعد نتنياهو لتحقيق أهدافها في المنطقة”..
وتضيف الشبكة الامريكية ان واشنطن شرعت في الخطوات الجدية للإعداد لما بعد “نتنياهو” حيث تسعى لوضع أساسٍ لهذا التغيير بالتنسيق مع قادة إسرائيليين آخرين تحضيراً لتشكيل حكومة “ما بعد نتنياهو”..
لقد لطخت جرائم الحرب الصهيونية جبين الإنسانية جمعاء بوحشيتها واجرامها ونازيتها ولم تكن واشنطن أو تل ابيب تتوقعان أنهما ستبحثان عن استراتيجيةٍ بديلةٍ لاستراتيجيتهما المعلنة في هذه الحرب..
بعد اكثر من مائة يومٍ من الصمود الفلسطيني الأسطوري الذي قابله فشل جيش الاحتلال وعجزه عن تحقيق ايٍّ من أهدافه المعلنة بالإضافة الى بقية متغيرات المقاومة الإقليمية ومفاعيلها وجد الأمريكي والإسرائيلي نفسيهما أمام واقعٍ مغايرٍ لذاك الذي كانا يرسمانه لمرحلة ما بعد الحرب على غزة..
منذ اليوم الأول لهذه الحرب سارعت الإدارة الامريكية والدوائر الإسرائيلية لتسريب دعاية قيل انها لنقاشات دولية وإقليمية واسعة محورها كيفية إدارة غزة بعد انتهاء العملية الإسرائيلية من تحقيق أهدافها المعلنة في القطاع..
كان الحديث يدور حول اليوم الأول ما بعد حماس في اشارةٍ إلى ان جيش الاحتلال وبرعاية أمريكية غربية كاملة سيمضي في تحقيق اهداف حربه المعلنة والتي يأتي على رأسها القضاء على حركة حماس وانهاء ادارتها بشكلٍ كاملٍ لقطاع غزة..
إلاّ أن السحر كما يقال انقلب على الساحر فعلى الرغم من حرب الإبادة التي لا تزال مستمرة دون هوادة بحق كل ما مظاهر العيش الفلسطيني في غزة إلا ان واشنطن وجدت نفسها عاجزةً عن الحديث عن اليوم التالي ما بعد انتهاء الحرب دون ان تكون حماس وكل فصائل المقاومة الفلسطينية جزءاً اصيلاً منه..
على الرغم من كل الغطاء الذي وفره الامريكان لجرائم الحرب الصهيونية بحق القطاع وأهله وبنيته وعلى الرغم من أن بلينكن تحوّل من وزيرٍ لخارجية الولايات المتحدة الى سفيرٍ متجولٍ يجمع التأييد لإسرائيل إلا أن واشنطن وجدت نفسها أمام مأزق الحديث عن ما بعد اليوم الأول لانتهاء هذه الحرب..
بمعنى اكثر بساطةً وجد الأمريكان انفسهم امام فشلٍ امريكيٍّ إسرائيلي في تحقيق ايٍّ من اهداف الحرب المعلنة سواءً تلك التي تتعلق باستعادة الاسرى الإسرائيليين او المتعلقة بالقضاء على حماس او حتى تلك المتعلقة بمستقبل حكومة الحرب الإسرائيلية..
فشلت الحرب الصهيونية في غزة في كل أهدافها المعلنة ونجحت فقط في قتل أهل القطاع وتدميره في حرب إبادة جماعية وفر لها الامريكان وحلفاءهم كل الدعم على كل الاصعدة على مرأى ومسمع من العالم اجمع..
الاساطير التي تحصل في غزة ليست انعكاساً للعجز والفشل الإسرائيلي فحسب بل إنها تعكس فشلاً امريكياً بالدرجة الأولى نتيجة ترابط التداعيات المحيطة بهذه الحرب انسانياً وعسكرياً بل وعلى مستوى الامن والاقتصاد العالميين..
المأزق الأمريكي في غزة يبدو اكبر من المأزق الإسرائيلي لان توسّع مفاعيل هذه الحرب وتداعياتها الممتدة من البحر الأحمر وصولاً للعراق وسوريا تطال الأمريكي وتؤثر عليه اكثر من الإسرائيلي..
لقد شكل التوجه القيادي اليمني الفاعل والصادق في قطع الشريان الذي يغذي إسرائيل عبر البحر الأحمر ملمحاً فارقاً من ملامح هذه الحرب قد تتجاوز آثاره حرب الصهاينة على قطاع غزة ارضاً وانساناً على الرغم من عظمها..
كصورةٍ مطابقةٍ للفشل الإسرائيلي في غزة وجد الأمريكي نفسه عاجزاً تماماً عن ضبط إيقاع البحرية اليمنية التي كان لها الكلمة الفصل في معادلة البحر الأحمر..
الفشل الأمريكي لم يقتصر على العجز عن تشكيل تحالفٍ للعدوان على اليمن بسبب موقفها المناصر لغزة قولاً وفعلاً بل عجز ايضاً عن استخدام مصطلح الحرب الصريحة على اليمن..
لقد تضاربت عناوين العدوان الأمريكي البريطاني السافر على اليمن فنفت واشنطن وكل مؤسساتها انها في حالة حربٍ بينها وبين الحوثيين في اليمن واكتفت بتصريحات باهتة تأرجحت بين الضربات التحذيرية ومحاولة إيصال رسالة لصنعاء بإيقاف عملياتها في باب المندب..
بالعودة لمحور هذه القراءة التي تركز على الاستعداد الأمريكي الاسرائيلي للتضحية بـ”نتنياهو” فإن تلك ليست مشكلةً بالنسبة للقادة الإسرائيليين والامريكيين لكن هؤلاء يخشون من الانهيار الذي سيحصل داخل المجتمع الإسرائيلي المنكسر بعد إعلان الهزيمة في غزة بصورة علنية..
المجتمع الاسرائيلي لم يعد واثقاً في كل قادة هذا الكيان سواءً كانوا في الحكومة أو في المعارضة فكلاهما تشاركا في إدارة مجلس هذه الحرب الذي اثبت عجزه وفشله..
ليس الامريكيون فقط من صارحوا نتنياهو بأنه لن يبقى الى الأبد وفقاً لتقارير غربية لكن الإسرائيليون انفسهم باتوا يصرخون بالعلن بأنهم فشلوا في تحقيق اهداف حرب الإبادة التي يمارسونها بحق الفلسطينيين..
ينقل موقع “اكسيوس الأمريكي” عن عضو مجلس الحرب الصهيوني “جادي آيزنكوت” ان من يتحدث عن الهزيمة المطلقة لحماس لا يقول الحقيقة وأنه لا ينبغي أن لا تروى القصص للشعب الإسرائيلي بحسب تعبيره..
وأضاف “ايزنكوت” ان أهداف الحرب الإسرائيلية لم تتحقق في القطاع وانه من المستحيل تحرير الاسرى الإسرائيليين دون عقد صفقة مع حماس..
بدوره قال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك أن حماس لم تهزم في هذه الحرب وان إسرائيل بحاجة لقيادة جديدة..

اما زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد فقد اكد وجوب استبدال نتنياهو بسرعة فيما نقلت صحيفة “هآرتس” العبرية عن مصدر بالطاقم الوزاري الأمني المصغر أنه “لا مستقبل للحرب في غزة وأن نتنياهو يماطل لكسب الوقت والهروب من المسؤولية”..
لسنا بصدد استعراض مآلات “نتنياهو” في أعين حلفائه وشركائه لكن الحقيقة ان اليوم الاول لما بعد نتنياهو هو المخرج الوحيد المتاح امام واشنطن وتل ابيب من هذا المأزق الذي تؤكد الاحداث كلها انه لن ينتهي بانتهاء حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على غزة وكل الشعب الفلسطيني.

– المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع