بدون طيار موجهة إلى المملكة العربية السعودية أو الإمارات العربية المتحدة أو خطوط الشحن على البحر الأحمر يمكن أن تشعل صراعاً أوسع نطاقاً ليشمل الولايات المتحدة وحلفائها في الخليج وإيران.

(صحيفة ”نيويورك تايمز” الامريكية، ترجمة: نجاة نور – سبأ)

بقلم: روبرت مال*ي

في السنة الخامسة من الحرب الدامية بين أنصار الله، الحركة التي تدعمها إيران والمعروفة باسم الحوثيين، والتحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية والمدعوم من الولايات المتحدة، صنعاء عاصمة اليمن لا ترى الكثير من الزوار الأميركيين لسبب وجيه.

يسيطر الحوثيون على صنعاء وحوالي خُمس مساحة اليابسة في البلد؛ حيث غالبية سكان اليمن البالغ عددهم 30.5 مليون نسمة يعيشون في مناطق التي يسيطر عليها الحوثيون, لكن البؤس يمتد إلى ما هو أبعد من ذلك.

تعتبر الأزمة الإنسانية في اليمن حسب تصنيف الأمم المتحدة الأسوأ في العالم, فثلثي سكانها يحتاجون إلى شكل من أشكال المساعدة، كما يعاني 10 ملايين شخص من سوء التغذية, أي ما يقرب الربع مليون شخص يتضورون جوعا حتى الموت.

قبل أسبوعين، سافرت مع بعض الزملاء إلى صنعاء, كان انطباعنا الأول عن إحساس هذه المدينة الساحق بالعزلة عن العالم الخارجي.

صنعاء تبدو وكأنها قد علقت في عدة عقود من الماضي حتى قبل الحرب, ومنذ ذلك الحين، تم إغلاق منافذها القليلة للحداثة مثل المقاهي على طراز باريستا وصالات عرض السيارات ومراكز التسوق التي تحاول تقليد جماليات الخليج المذهلة أو تدهورت وأصبحت في حالة سيئة.

الحدود البرية مع المملكة العربية السعودية مقطوعة بسبب المواجهات في الجبهات هناك، وكذلك الروابط مع جميع موانئ اليمن مقطوعة باستثناء ميناءا واحد.

صنعاء لديها مطار صغير تضرر بشدة، ولكن السعودية التي تسيطر على المجال الجوي تحرص على أن الطائرات التجارية لا تهبط او تقلع منه, ناهيك عن كون  المرضى الذين يحتاجون إلى رعاية طبية عاجلة لايمكنهم مغادرة البلد كما لا يمكن للأشخاص المنفصلين عن ذويهم في الخارج السفر, فعزل صنعاء يحمل عواقب وخيمة على سكانها.

إن تجاهل أولئك الذين يحكمونها له تكاليف سياسية أيضاً، حيث يتحمل الحوثيون مسؤولية كبيرة عن المأساة ولكنهم يحملون مفاتيح قرار إنهاء أو تمديد الحرب.

إن هجوماً صاروخياً أو طائرة بدون طيار في توقيت غير مناسب يستهدف المملكة أو الإمارات أو ممرات الشحن في البحر الأحمر, يمكن أن يشعل فتيل صراع أوسع يشمل الولايات المتحدة وحلفائها في الخليج وإيران, إنهم يتحدون المنطق بالنسبة للمسؤولين السعوديين أو الأمريكيين بعدم إشراكهم.

يبدو أن سكان صنعاء يشعرون بالدهشة والغضب إزاء ما يرون أنه اهتمام دولي غير متناسب يحظى به كل صاروخ أو طائرة بدون طيار يطلقه الحوثيين تجاه المملكة، مقارنةً بقصف التحالف الذي تقوده السعودية بشكل منتظم والمدمرة التي يتعرض لها اليمنيون منذ مارس 2015.

إن من الصعب أن ترى كيف يتكلم السكان المحليون بحرية, ربما يلوم الكثيرون الحوثيين في احتلال لجارتهم الشمالية, وإذا كان الأمر كذلك، لكن مشاعرهم مخفية جيداً,  حتى قادة الحزب المقربين من السعوديين وعلى خلاف مع الحوثيين عبروا عن غضبهم الشديد من تصرفات السعودية.

ستسمع عندما تقوم بجولات في صنعاء السكان يقولون بسخرية: إذا سلمني السعوديون الان سعر صاروخ فسأدمر منزلي من أجلهم. يشعر سكان صنعاء بالغضب من تفجير المقابر مستهجنين “حتى موتانا غير آمنين.”

يشعر أنصار الحوثيين بالحيرة أيضاً لسبب هجماتهم على السعودية حسب الإملاءات الإيرانية، كما لو أن وجودهم في حالة حرب مع المملكة لم يكن تفسيراً كافياً  لهم.

إن تركيز العالم على عملياتهم التي تعبر الحدود لم يقنعهم إلا أن هذه الهجمات هو ما يتطلبه الأمر لجذب الاهتمام العالمي وإجبار السعوديين على تغيير سياستهم, فالسعودية لديها الكثير لتخسره؛ بينما ليس لدى اليمنيون ما يخسرونه.

يلاحظ الزائر لصنعاء أيضاً إحساساً  مفاجئاً  بالاستقرار الداخلي, إذ يبني الحوثيون شيئاً مشابهاً لدولة بوليسية وجود نقاط تفتيش أو علامات أمنية أخرى في العاصمة تعلن سيطرتهم الفعلية.

معظم الناس في صنعاء حقاً يعتبرون أن الولايات المتحدة متواطئة في الحرب وتُمكن التحالف الذي تقود حربه السعودية.

من البديهي للأمريكيين أنهم سوف ينفرون من الحوثيين الذين يتفاخرون بعبارة “الموت لأمريكا” و “العنه على اليهود” كشعار لهم، ويملئون بها رسومات في جدران المدينة, لكن سكان صنعاء يرحبون بحرارة بالزائر الأمريكي الذي نادرا ما يرونه.

القيادة الحوثية تعرف كل هذا العداء الشعبي تجاه التحالف الذي تقوده السعودية؛ السيطرة الرائعة التي حققتها الحركة وتجد مبررات أخرى للثقة بالنفس، كما يشعرون ان الوقت حليفهم, فعلى الرغم من التباينات العسكرية الهائلة، إلا أنها وقفت أمام تحالف من الدول الغنية والقوية المدعومة والمسلحة من دول الغرب.

الجبهات القتالية شبة متجمدة, ويُظهر خصومهم المحليون التابعيين لحكومة الرئيس عبد المنصور هادي التي تتخذ من عدن مقرا لها، علامات الانكسار, فيما أعلن الإماراتيون مؤخراً عن إعادة نشر قواتهم وتقليصها مما يقلل بشكل كبير من خطر هجوم التحالف على مدينة الحديدة الساحلية الحيوية، وهناك المشاعر المعادية للسعودية تتصاعد في قاعات الكونغرس الأمريكي.

على الرغم من ثقتهم، فإن الحوثيين لا يعرفون كيف أو متى ستنتهي هذه الحرب, ولكنهم مستعدون للحوار, ليس مع الرئيس هادي أو مع حلفائه، الذين يصفونهم بـ “المرتزقة” – ولكن مع السعوديين، الذين يدعون السيطرة على خيوط هادي، أو الولايات المتحدة التي يعتقدون أنها تدعم السعوديين.

يقدمون خارطة طريق ويعدون بوقف الهجمات عبر الحدود ضد المملكة إذا أوقف السعوديون الهجمات ضدهم. كما سوف ينسحبون من الأراضي السعودية. حالما تسمح الرياض بإعادة فتح مطار صنعاء. وسوف يناقشون العلاقة طويلة الأمد مع السعوديون، كما يؤكدون انها ستكون أفضل من علاقاتهم مع إيران.

يتحدثون بصوت واحد عن تسوية سلمية وعلاقات وثيقة مع المملكة العربية السعودية, وفي نفس الوقت يحذرون من المفاجآت التي تكمن في مخزونهم إذا لم توافق الرياض على وقف إطلاق النار.

إنهم يستاؤون بشده من تسميتهم وكلاء إيران، لكنهم يقرون بأن الحرب قد أوصلتهم وتقدموا بفضلها بإنكار ضعيف عندما يسألون عما إذا كانت إيران تزودهم بالأسلحة.

يشددون في بعض الأحيان على الدوافع المحلية البحتة لمعركتهم؛ بينما ترسخ لدى الآخرين انطباع عن هوية المعركة الإسلامية الأكثر ثورية, وهنا يمكن أن يغفر المسؤولون السعوديون والأمريكيون ذلك لأنهم مشوشون.

هناك أيضا غموض في وصف الحوثيين للتسوية الداخلية بعد انتهاء الحرب, فبمجرد انتهاء الحرب مع المملكة العربية السعودية، يزعم الحوثيون أنهم سيجلسون مع اليمنيين للتفاوض على تشكيل حكومة تكنوقراطية وانتخابات جديدة ونزع سلاح جميع الجماعات المسلحة.

مرة أخرى، فإن الادعاءات مشروطة, حيث يقولون إنهم سيتخلون عن أسلحتهم الثقيلة بمجرد استعادة الثقة والتي بعد مثل هذا القتال الوحشي، قد تأخذ وقتاً.

ويشك خصومهم في أن الحوثيون لن يتخلون بسهولة وبالتأكيد ليس عن طيب خاطر عن السلطة التي كسبوها.

من غير المؤكد كيف سيكون رد فعل الحوثيين إذا توقفت الولايات المتحدة عن تقديم الدعم للتحالف الذي تقوده السعودية وأنهى التحالف حملته, لكن السنوات الأربع الماضية تعطينا إحساساً بما سيحدث إن لم يكن من المحتمل أن يصبح الحوثيون أقوى، والمعارضة أكثر تجزئاً، وإيران أكثر نفوذاً، والمملكة أقل أماناً وأكثر تشويهاً. واليمنيون أكثر فقرا ويأسا.

عندما غادرنا صنعاء سألنا السكان هناك مراراً عما ستفعله الولايات المتحدة لإنهاء بؤسهم, كنا نتمنى أن نتمكن من الإجابة.

* الرئيس والمدير التنفيذي للمجموعة الدولية للأزمات