السياسية || محمد محسن الجوهري

مؤخراً أعلنت الحكومة المصرية أنها اشتبكت مع عناصر تخريبية في رفح أثناء محاولة لتهريب شحنات من المواد المخدرة إلى قطاع غزة الحدودي شمال شرق سيناء.

ولم تورد الحكومة المصرية تفاصيل أوسع عن الحادثة، ما يعني أنها ستبقى غامضة إلى إشعار آخر، لعلمنا بأن تلك الحكومة لا تتحرى الصدق في تصريحاتها، كما لا تحترم وعي الجماهير في مصر وخارج الدولة.

فهل يُعقل أن تجار المخدرات سيغامرون بتهريب بضاعتهم إلى قطاع غزة، في وقت يبحث سكانه عن لقمة الخبز جراء الحصار المصري والعدوان الإسرائيلي.

كما أنَّ الرواية المصرية تتشابه مع تلك التي قدمتها عقب العملية البطولية التي نفذها الجندي المجاهد “محمد صلاح” في 3 يونيو الماضي، فقد زعمت الحكومة المصرية أن مقتل الإسرائيليين الثلاثة كان بالخطأ، أثناء ملاحقة مهربي المخدرات قرب معبر العوجة بين مصر وفلسطين المحتلة.

وقد بادرت إسرائيل لتكذيب البيان المصري، وأوضحت أن جندياً مصرياً اقتحم المعبر وقتل ثلاثة من أفرادها وأصاب آخرين، وأن الجندي استغرق ساعات لتنفيذ مهمته.

كان موقفاً محرجاً للحكومة المصرية التي لا تتورع عن اختلاق الأكاذيب تبريراً لعمالتها لليهود، ويبدو أن ما حدث مؤخراً هي عملية بطولية أخرى لجنود مصريين، بدليل البيان المصري الشبيه ببيان عملية محمد صلاح.

السؤال هنا لماذا تتعمد الحكومة المصرية الكذب عندما يتعلق الأمر بقطاع غزة ومعبر رفح! ولماذا تتعمد إسرائيل إظهار زيف الادعاءات المصرية؟

إن اتفاقية كامب ديفيد التي وقعتها مصر مع الكيان الصهيوني عام 1978، تنص على أن مصر مجرد حامٍ لحدود إسرائيل، وليس لمصر أي سيادة فعلية على سيناء، بما في ذلك معبر رفح الحدودي مع قطاع غزة.

كما أن على مصر إبلاغ جيش الاحتلال الإسرائيلي بكل تحركٍ أمني هناك، وانتظار الضوء الأخضر قبل تنفيذه من قبل الجانب المصري، وهذا تأكيد لعبودية مصر لصالح الكيان الصهيوني.

ما يعزز ذلك أن المعابر بين مصر والكيان الغاصب في سيناء تسمح بدخول الإسرائيليين إلى الأراضي المصرية دون تفتيش أو تأشيرة عبور، بينما يستحيل مثل ذلك الإجراء لصالح المصريين.

وحتى يتسنى لأي سياسي أو عسكري مصري حكم بلاده، فعليه الالتزام أولاً بضمان حماية إسرائيل ومصالحها، بما فيها حصار غزة، وخنق سكانها.

وخلال العقود الأربعة الأخيرة، تحولت سيناء إلى مصايف ومنتزهات لليهود وأثرياء العرب، وهناك تم تدجين الكثير من الساسة الخليجيين، حيث يلتقون مع اليهود في بارات وملاهي سيناء، مثل طابا وشرم الشيخ والكونتيلا ودهب، وعلى الجانب المصري فقط تأمين الخدمات والحماية لليهود وعملائهم.

لذا ترى الإعلام العبري يتكلم كثيراً عن سيناء وما يحدث فيها، بينما يجهل أغلب المصريين طبيعتها كونها أرضاً محرمةً عليهم، ولو أنَّ عبدالفتاح السيسي مثلاً، تجرَّأ وفرض هيبة الدولة المصرية في سيناء، أو سمح بدخول الغذاء والدواء لسكان غزة، لربما فقد شرعيته، وانقلب عليه أكبر معاونيه في الحكم، وهذا أمر يخشاه أي حاكم مستبد، كما هو حال السيسي، الذي لا يستحي أن يطالب إسرائيل بتهجير سكان غزة إلى صحراء النقب، حتى يتسنى لها إبادة حماس.

إن شرعية أي حاكم مصري تبدأ من معبر رفح، ومن هنا تتضح أحقيته بالحكم على سائر البلاد المصرية، ومن لا يفرض حكم مصر على رفح ويمنع حصار غزة، فهو عميل آخر للكيان الصهيوني، كحال السيسي اليوم، وقبله مبارك والسادات.

* المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب