السياسية || محمد محسن الجوهري

اعتادت الولايات المتحدة الأمريكية أن تقاتل خصومها بأدواتها، وهذه سياسة دأبت عليها القوى الاستعمارية ذو التوجه الصهيوني كأمريكا وقبلها بريطانيا، وفي حال عجزت تلك الأدوات، تكون العاقبة سريعة ومميتة في آن واحد.

في جنوب اليمن، وقبل ثورة 14 أكتوبر 1963، مزَّقت بريطانيا الجنوب إلى أكثر من 30 كياناً ما بين محميات وسلطنات ومشيخات، بعضها صغير والبعض أصغر منه، يحكمها عملاء مرتزقة موالون للتاج البريطاني ومتناحرون فيما بينهم.

لم يكن لتلك الكانتونات الحق في التوحد فيما بينها، لكن الانفصال جائز بل ومرحب به، كما حدث لقبائل العوالق التي تجزأت إلى كيانين ثم إلى ثلاثة، ولم يكن لها الحق بعد ذلك في مراجعة قرار التشطير.

وفي حال الرفض والعصيان، تدعم بريطانيا تحالفاً من تلك المحميات لضرب الكيان المتمرد، كما حدث لمرات عدة مع سلطنة يافع العليا، إلا أنَّ ذلك كله سقط بالضربة القاضية عندما اندلعت ثورة 14 أكتوبر المجيدة، وتوحد اليمنيون كافة ضد الإنجليز، فكانت النتيجة الهزيمة المدوية لبريطانيا العظمى، وخروجها صاغرة في نوفمبر 1967 من الأراضي اليمنية بعد تخلي حلفائها عنها.

والتاريخ يعيد نفسه، فقد سأم حلفاء أمريكا وأدواتها في المنطقة كثرةَ الإملاءات، ولم يعد بمقدورهم شن حرب أخرى على اليمن بعد فشل عدوانهم الجماعي الذي استمر قرابة التسع سنوات.

وبتخليهم عنها، وجدت واشنطن نفسها يتيمة في المنطقة لدرجة أن تستغيث بدويلات صغيرة كالبحرين وسيشل، لترى نفسها عاجزة عن خوض حربٍ فعلية ضد الشعب اليمني، وقريباً ستحمل عصاها وترحل من المنطقة، كما فعلت بريطانيا من قبل.

أمَّا إسرائيل، فحروبها تعتمد بشكل رئيس على التمويل والدعم الأمريكي، وفي حال تراجع ذلك الدعم سيجد اليهود أنفسهم في ورطةٍ كبرى لا طاقة لهم بها.

ومع تراجع النفوذ الأمريكي، وكسر هيبتها في المنطقة، تقترب قيامة إسرائيل، ويومها الأخير الذي طالما خشيه اليهود، ويسعون لتفاديه بكل ما يملكون من مؤامرات.
إسرائيل شرٌ مطلق، وجرائمها بحق الفلسطينيين على مدى ثمانين عاماً، تكشف رفضهم لأي تعايش مع العرب، وحتى بعد التطبيع الرخيص وغير المشروط لحكام الخليج.

إنَّ استحالة تعايش إسرائيل مع العرب يؤكد على ضرورة زوالها، ولا خيار أمام العرب إلا مواجهتها بشكل مباشر قبل أن يطأهم شرها، والفرصة اليوم كبيرة لتدمير الكيان الصهيوني سيما بعد عملية طوفان الأقصى البطولية، والتي كشفت مدى ضعفه وقرب نهايته.

* المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب