محمود المغربي*

 

تعرض الكيان الصهيوني منذ فجر السابع من أُكتوبر وحتى اليوم إلى نكبة كبيرة وخسائر فادحة في شتى المجالات العسكرية والسياسة والاقتصادية، بشكل غير مسبوق في تاريخ الكيان الغاصب للأراضي الفلسطينية والمقدسات الإسلامية، وهناك شرخ في بنية المجتمع الإسرائيلي لا يجبر، وهناك شرخ وفجوة هائلة بين الكيان الصهيوني والعالم بعد الجرائم الإسرائيلية الشنيعة والإبادة الجماعية بحق أبناء غزة وفشله الذريع في غزة ومخالفته لكل القوانين والأعراف والقيم الدولية والإنسانية مما أفقد الكيان الصهيوني الدعم والتأييد والتعاطف الدولي الذي كانت تحظى به الدولة الصهيونية منذ تأسيسها على انقاض وأشلاء الأرض والإنسان الفلسطيني وهو ما اعتمدت إسرائيل عليه للبقاء والصمود والنمو الاقتصادي الذي جعل إسرائيل ما هي عليه اليوم.

والأسوأ من كُـلّ تلك الخسائر هو فقدان الثقة بين المجتمع الإسرائيلي والحكومة مما أوجد قناعة راسخة في نفوس أغلب الإسرائيليين بأن الكيان لم يعد مكاناً أمناً وصالح للحياة، وأن أجل الدولة الصهيونية قد حان، وأن على الجميع العودة من حَيثُ أتى، أَو البحث عن مكان وحياة جديدة عاجلاً أَو أجلاً.

وبلا شك هذا الأمر لا يخفى على الحكومة الإسرائيلية والصهيونية العالمية التي تسعى للهروب من هذا الواقع، وهم يدركون أن لا مفر من هذه النهاية الحتمية إلا بخلط الأوراق وتوريط أمريكا، التي خسرت الرهان على الكيان الصهيوني وخسرت الحلفاء والأدوات وأكبر الداعمين لها وخسرت هيبتها وتلطخ وجهها القذر بوحل غزة وبدماء أطفال ونساء غزة، ذلك الوجه الذي عملت لعقود للحفاظ عليه كرمز للحرية والديمقراطية، وكلّ تلك الشعارات الكاذبة وسقط القناع المزيف، وهي اليوم تفقد السيطرة على الأحداث، ولم تعد هي من ترسم المسارات والسياسة وتحدّد النهاية، بل وجدت نفسها ولأول مرة تسير وفق مسارات وسيناريوهات وضعت بيد ربما أعدائها، ودور البطولة قد ذهب منها وأصبح هناك بطل أَو أبطال جدد وهي الشريرة في هذا السيناريو الذي لا تستطع رفضه أَو التعديل عليه.

ومن خلال المشهد الأول نجد أن أمريكا منغمسة في تأدية دورها المرسوم لها وهي مجبرة على لعب الدور حتى النهاية وهي نهاية سيئة يخسر فيها الشرير ويأخذ الجزاء الذي يستحقه بعد أن وقعت في الفخ وارتكبت المحظور باستهداف القوات المسلحة اليمنية وقتل عشرة أفراد وأغلقت خلفها باب الخروج من البحر ألأحمر، الذي أصبح مستنقعاً ومصيدة كبيرة، وفيه صيادون كثر ومفتاح الخروج من تلك المصيدة لم يعد بيد أمريكا بل في يد أعدائها، وربما الأنصار هم العدوّ الظاهر والمتصدر للمشهد وهم يمتلكون أحد وأهم تلك المفاتيح.

فهل سوف يفتح الأنصار باب العودة والخروج أمام أمريكا، وما هو الثمن الذي سوف تدفعه أمريكا، خُصُوصاً أن قيادة الأنصار قد رفعت السقف بعد أن رفضت إغراءات وعروض كبيرة، منها وقف العدوان ودفع التعويضات وإزاحة كافة الأطراف اليمنية المعادية للأنصار من المشهد السياسي والعسكري اليمني وفرض سيادة الدولة في صنعاء على كامل الأراضي اليمنية مقابل التخلي عن القضية اليمنية والانغماس في الشأن اليمني بعيدًا عن الشأن العربي والإسلامي، وهي عروض لو قدم جزء منها على الأطراف اليمنية الأُخرى لباعوا الجمل بما حمل، بل لقد باعوا ما هو أكثر من الجمل بمقابل الرضا الأمريكي عنهم، وما هم ببالغيه، ومن أرخص نفسه باعها بلا ثمن.

وأعتقد أن المشهد بات معقداً للغاية، ولم يعد أحد قادراً على رؤية القادم والمستقبل إلا أُولئك الذين يديرون المعركة بمنطق وفكر إيماني وقرآني، وبلا شك المرحلة الراهنة والمقبلة سوف تكون صعبة للغاية على من هم قليلي إيمَـان، ومن ثقتهم بالله مهزوزة ومتذبذبة.

* المصدر: موقع أنصار الله

* المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب