توفيق عثمان الشرعبي

إذا كانت أمريكا تظن أن ما قامت به في البحر الأحمر (بالونَ اختبار) لرَدَّةِ فعل القوات المسلحة اليمنية فعليها أن تنتظر بقلق وارتياب (أين ومتى) ستأتيها المفاجأة مرة أُخرى.

الدم اليمني الذي سُفك في البحر الأحمر -بيد وسلاح وقرار أمريكي- ليس رخيصاً، كما تظن الإدارة الأمريكية، فليس اليمنيون من يتوقفون أمام أول مأزِق يقابلهم أَو كمين ينصب لهم، وليسوا ممن يتجاهلون ثأرهم.

القيادة اليمنية حذرت أمريكا من التورط بالإقدام على ارتكاب حماقة ولكنها -أي أمريكا- تجاهلت التحذير وسفكت الدم اليمني حماية لـ”إسرائيل”، وبهذه الحماقة تكون قد فتحت معركةً بحريةً سيكون لليمن الفعلُ الأقوى والكلمة الأخيرة في تحديد مصير هذه المعركة التي تعد بالنسبة لليمنيين معركة وجود مفتوحة الحسابات والخيارات.

من اللحظة التي سَفَكَت الرصاصةُ الأمريكية الدمَ اليمني لم يعد لأحد ـ سوى اليمنيين ـ تقريرُ مصير السيادة في البحر الأحمر وباب المندب فلا أمريكا ولا “إسرائيل” ولا الغرب أجمعون يستطيعون أن يغيِّروا في معادلة البحر شيئاً، فقد حدّد اليمنيون هدفَهم ضمن معركة كبيرة بأهداف وطنية وقومية كبيرة.

بعد سفك الدم اليمني لم يعد الأمر يتعلقُ بالملاحة ولا بالمياه الدولية ولا بالازدهار الأمريكي، بل أصبح الأمر متعلقاً بأرواح أُزهقت بسلاح الظلم والطغيان، ودماء سُفحت بقرار العنجهية، وسيادة انتهكت بإرادَة الغطرسة.

أمريكا ارتكبت حماقة ذات طابع الصلف والتكبر الفارغين وهي تدرك أنها لم تعد قوية إلى درجة أن تتحمل عواقب ما أقدمت عليه.

واليمن اتخذ قراراً وعمّده بالدماء الطاهرة وهو ماضٍ في طريق استعادة وتملك حياته وحريته واستقلاله وسيادته على بره وبحره، ولدى قواته المسلحة من الخيارات ما سيفزع أمريكا وتحالفها المهزوز.

اليمن يدرك أن خطوته المهمة قد تحقّقت في البحرَين (الأحمر والعربي) وسيمضي في معركته المصيرية متوكلاً على الله، مدركاً لحقيقة أن قضية فلسطين كانت ولا تزال لُبَّ الصراع وجوهره وأن الانتصار لهذه القضية سيكشف حقيقة أمريكا و”إسرائيل” صانعتَي الأزمات وراعيتَي العصابات.

قوة اليمن اليوم مستمدةٌ من امتلاكه لقراره وإدراكه ـ قيادة وشعباً ـ للمساعي الإسرائيلية لتحقيقِ تطلعات وخطة زعمائها المؤسّسين لتحويل البحر الأحمر إلى «بحرية يهودية» وسعيها الخبيث عبر الصراع الإسرائيلي- العربي لترجمة ذلك الطموح.

لا بد من الإشارة هنا إلى المؤتمر الذي دعت إليه “إسرائيل” كلاً من أمريكا وبريطانيا وإيطاليا والمنعقد في روما عام 1978م لمواجهة ما أسمته “النفوذ العربي المقبل في البحر الأحمر” واتخذت فيه جملة من القرارات، منها السيطرة على الجزر الحيوية في البحر الأحمر وبناء قواعد عسكرية وأمنية لنسف الاستراتيجية العربية، وفعلاً قامت باحتلال بعض الجزر، مستغلة التراجُعَ في مسيرة التضامن العربي على خلفية اتّفاقية “كامب ديفيد”.

هذه اللمحة التاريخية تضيءُ على حقيقة الدور الصهيوأمريكي الخطير والقذر في أزمات وصراعات وحروب المنطقة عُمُـومًا واليمن بشكل خاص، وحرصه الخبيث على استغلال الأوضاع المتأزمة في الدول المطلة على البحر الأحمر لتتوغل أكثر في البحر بحيث تحكم سيطرتَها على ممراته الملاحية!

القيادة اليمنية تدرك أن تحشيدات أمريكا اليوم تحت غطاء «حماية الازدهار» هدفها مَـــدُّ النفوذ الإسرائيلي في البحر الأحمر والحيلولة دون أن يظل بحيرة عربية.

القرار اليمني الشجاع كشف لـ «المخدوعين والمطبِّعين» حقيقة التواجد الإسرائيلي وما يمثل من خطر وشرٍّ مستطير على امتنا وديننا ووجودنا ووحدة وأمن أوطاننا واستقلالنا وسيادتنا وثرواتنا ومستقبل وثقافة وأخلاق أجيالنا.

اليمن لن يأبهَ لوعيد ولا تحشيد كُـلِّ من ارتضى لنفسه أن يكون «كلبَ حراسة» لـ”إسرائيل” في «الأحمر والعربي وباب المندب» وسيفاجئُ الجميع بأن خيارات معركته بلا موانع وأن حساباتها بلا حدود.

التاريخ يؤكّـد لنا أن الحضارة اليمنية العريقة لم تتحقّق إلا عندما كان اليمنيون أسياداً على البحر والبر.

المصدر : صحيفة المسيرة