لطيفة الحسيني*

 

تقوم القاعدة الأساسية في أسلوب “إسرائيل” الأمني على الاغتيالات السياسية وتصفية أعدائها. لا يعتمد نشاطها على القوّة الجسدية لجنودها، بل على العامل الاستخباراتي الذي تركن إليه كي تنفّذ عملياتها العسكرية، إمّا عبر آلة قتلها التي تديرها جوًّا، وإمّا عبر تحريك عملائها ميدانيًّا وطائراتها المُسيّرة أو الحربية من أجل التخلّص من خصومها بلا معارك حقيقية.

أكثر من ألفيْ عملية اغتيال نفّذها العدوّ منذ احتلال أرض فلسطين بحسب احصائيات عام 2019. الأسماء المستهدفة تشمل شخصيات فلسطينية وعربية وصولًا إلى إيران، بدأت في السبعينيات وما زالت سارية إلى اليوم. في العقيدة الإسرائيلية الاغتيال مدعاة للفخر. يُعبّر الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي عن ذلك بوضوح فيقول (في مقالة نشرتها صحيفة “هآرتس” في العام 2020 إن التصفيات مفخرة لـ”تل أبيب”، وليس هناك من “دولة” تقتل مُنافسيها أو أعداءها كما تفعل “إسرائيل”. كان هذا عقب اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده.

عام 2001، وسّع رئيس الوزراء الصهيوني أرييل شارون نطاق التصفيات السياسية، فطالت لائحة المُستهدفين الذين اغتيلوا فعليًا حيث تحيّن الموساد وطائرات العدوّ الفرص.

شراهة نحو القتل عاشها الصهاينة منذ قيام كيانهم. في لبنان، كان أشهر اغتيال للأمين العام السابق لحزب الله الشهيد السيد عباس الموسوي. في اليوم الذي شُيّع فيه عام 1992، خرج خلفه الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله ليقول على الملأ “هذا الطريق سنُكمله لو قُتلنا جميعًا، لو دمّرت بيوتنا على رؤوسنا، لن نتخلّى عن خيار المقاومة الإسلاميّة”.

في فلسطين أيضًا، اغتيل مؤسّس حركة “حماس” الشيخ أحمد ياسين عام 2004. لحق به قادة فلسطينيون بارزون بالتصفية السياسية العسكرية على رأسهم عبد العزيز الرنتيسي الذي كان يُعدّ خلفًا للشيخ ياسين. أسماءٌ أخرى أضحت كذلك شهداء، من الجسم العسكري والسياسي في حماس، بينهم القائد محمود المبحوح الذي قضى بعملية استخبارية إسرائيلية في دبي.

في إيران، جمعٌ من العلماء النوويين ارتقوا شهداء بعدما اغتالتهم “إسرائيل” عبر عملائها. كان أشهرهم محسن فخري زاده (استشهد عام 2020) على اعتبار أنه يحمل توصيفًا رفيعًا فهو رئيس إدارة منظمة الأبحاث والإبداع في وزارة دفاع الجمهورية الإسلاميّة.

يرى الخبير العسكري الإسرائيلي والصحافي الاستقصائي رونين برغمان أن الاغتيالات جزءٌ من سياسة إسرائيلية سرية تستهدف محاولة توسيع الفجوة الزمنية بين الحروب، لكنّه ينتقد المسؤولين الصهاينة لاعتمادهم المستمرّ على الاغتيالات التي لا تؤدي في النهاية سوى إلى فشل استراتيجي، إذ إنه يتمّ تحقيق الأهداف الاستراتيجية بالحنكة السياسية والخطاب السياسي، وليس بالعمليات الخاصة”، وفق تعبيره. كما أنه يُشكّك بفعاليّتها ويصفها بـ”المحدودة على صعيد إضعاف المنظمات الفلسطينية، فالاغتيالات تصلح مع المنظمات الصغيرة، لكن اغتيال القادة السياسيين يبدو أكثر خطورة لأنه يعتبر كسرًا للقواعد العامة”، على حدّ وصفه.

اليوم تقترب عمليات الاغتيال الإسرائيلية من حدود الـ3000. لم يستخلص العدوّ يومًا أيّ عبرة منها. لا ينجح إلّا في القتل والتهجير والاحتلال. يفشل في كبح حركات المقاومة الشعبية والعسكرية التي تتوسّع ويشتدّ عودها مع اتّساع رقعة الاعتداءات والدمار والإجرام. يتفنّن الصهاينة بأدوات تصفياتهم، وتتعاظم قوّة محور المقاومة بكافة أطرافه. الإبادة ديدنهم، ومُراكمة إنجازات الحقّ والعدل معدن الأبطال والبواسل والمُناضلين.

* المصدر: موقع العهد الاخباري

* المقالة تعبر عن وجهة نظر الكاتب