سليماني وفلسطين: لا مكان للكلام
منهال الأمين*
“الجبهة الأطهر”. بهذه العبارة وصف الشهيد قاسم سليماني يومًا فلسطين. كان يمنّي النفس بالشهادة في سبيلها. يخاطب قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، قائد كتائب القسام محمد الضيف، برسالة أرسلها إليه قبيل استشهاده – نشرتها قناة الميادين في ذكراه الثانية- يضمّنها شوقه الكبير إلى المرابطين في تلك الجبهة الشريفة التي تمثل ثغر الأمة.
لا تتضمن الرسالة شحنة من العواطف الجياشة التي تظهر حب الرجل لفلسطين وشعبها ومجاهديها فحسب، بل التشرف بالدفاع عن فلسطين. يقول القائد سليماني في خطابه للقائد الضيف: “هذا شرف لنا، ولن نتخلى عن هذا الواجب مقابل أيّ من متاع الدنيا”.
قيمة أي كلام قاله القائد سليماني عن فلسطين يومًا في أنه لم يبقَ مجرد كلام، لقد صدّق الرجل قوله بالأفعال، بالخطوات العملية. هذه السياسة انتهجها قائد فيلق القدس من مدرسة الثورة الإسلامية، مدرسة مفجرها الإمام الخميني(قده) التي وصفها أحد شيوخ بني إسرائيل، مناحيم بيغن، بالزلزال الذي ضرب منطقة الشرق الأوسط، ولا بد أن يطال “إسرائيل” يومًا ما.
لم يكن فجر العام 1979 هو البداية، حين رفعت الثورة علم فلسطين على سفارة الكيان، واستقبلت قادتها ووضعت إمكاناتها في تصرفهم، بل إن الإمام الخميني أصدر قبلها بأكثر من عقد من الزمن، وتحديدًا في 19 سبتمبر 1968، فتوى أجاز فيها للمسلمين أن يدفعوا الحقوق الشرعية لدعم المجاهدين في فلسطين “حتى يتمكّنوا من التعامل مع الخطر الذي يشكّله الكيان الصهيوني على أصل الإسلام”.
وفي آب 1979 أعلن الإمام يوم الجمعة الأخير من شهر رمضان يومًا عالميًا للقدس، وعدّه يوم الفصل بين الحق والباطل. ثم كانت بركة الثورة، فيلق القدس، أحد تشكيلات الحرس الثوري الإسلامي الذي تسلّم قيادته اللواء سليماني في العام 1998 حتى تاريخ استشهاده في مثل هذا اليوم من العام 2020، وكان ثقة الإمام الخامنئي، موكلًا إليه مهمة دعم المقاومة الفلسطينية، وكل حركات التحرر أينما وجدت، حتى تكوّن “محور المقاومة”.
لم يألُ القائد سليماني أي جهد. خاطر بنفسه، وهو المهاجر إلى الله ورسوله منذ أدرك واعية الإمام. وفي الطريق إلى فلسطين كان يذلل كل العقبات حتى يصلها ما يجب أن يصلها من دعم عسكري وتدريب وخبرات وقدرات، نقلت المقاومة بالدرجة الأولى في غزة وبدرجة معينة في الضفة، من حال إلى حال، جعلتها رقمًا صعبًا نرى بأسها كل يوم على آليات العدو وفي رؤوس جنوده، وقد بلغت ذروتها في السابع من أكتوبر، حين شاهدنا المقاومين يذلّون جبروت الصهاينة أمام أعين العالم كله.
الرجل الذي طلب أن يكتب على شاهد ضريحه “الجندي”، كان ليفخر أن يسمى “شهيد القدس”. تشهد له باستحقاق هذا الاسم كل المكونات الفلسطينية، متجاوزًا أي ألغام زرعتها السياسة والطائفية بين صفوف المقاومين على امتداد محور المقاومة. هكذا وصفه يوم تشييعه رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، إذ “قدم لفلسطين والمقاومة ما وصلت إليه من قوّة واقتدار”.
ويشهد بفضله أيضًا قادة الجهاد الإسلامي، فيسميه القيادي خالد البطش بـ”القائد الكبير والعظيم الذي لم يتوقف لحظة عن دعم القضية الفلسطينية وإرسال الدعم والإسناد لها على أرض فلسطين، في غزة والضفة وشوارع الأرض المحتلة، تلك الإمكانات التي خاضت بها المقاومة معاركها في العام 2014 و 2012 وفي صيحة الفجر وسيف القدس ووحدة الساحات، وكذلك كل ما يجري في الضفة الغربية اليوم هو من ثمار جهد الشهيد البطل سليماني”.
تعددت وسائل الدعم التي وفرها الشهيد القائد للمقاومة الفلسطينية من إرسال السلاح أو المال، وكذلك الدعم اللوجستي، وعبر توفير مجالات التدريب للمجاهدين وتطوير أدائهم وقدراتهم.
يختم الشهيد سليماني رسالته لقائد كتائب القسام بالقول: “آمل أن يوفقنا الله للحضور إلى جانبكم، ويبلغنا أملنا بالشهادة في سبيل فلسطين”. وهكذا كان سليماني؛ أدركته الشهادة على طريق القدس، ولكنّه مكمل طريقه إليها، يعِدُ السائرين على نهجه بالصلاة في القدس، مهما أخرته الدهور أو عاقه عن نصرها المقدور.
* المصدر: موقع العهد الاخباري
* المقالة تعبر عن وجهة نظر الكاتب