السياسية || محمد محسن الجوهري

 

عندما يتعلَّق الأمرُ بفلسطين تتكشف المواقف، ويظهر الجميعُ على حقيقتهم، وكأن القضية الفلسطينية محطةُ لفرز الرجال من أشباه الرجال في عالمنا العربي.

بالأمس، عندما اندلعت فتنةٌ في سوريا كان شيوخ نجد يتسابقون على تكفير الدولة السورية، وتحريض الشباب المسلم على الخوض في تلك الحرب بعناوين طائفية نتنة، لدرجة أنَّ أحدهم أقسم أنه رأى الملائكة تقاتل ضد السوريين.

وكم كانت الحناجر تصدح بالتكبير والدعاء في مساجد السعودية وغير السعودية، في كل جمعة وجماعة، لتحريض الناس للذهاب إلى سوريا وارتكاب أقصى ما يمكن من القتل والإرهاب بحق أهلها، فكانت داعش نتاجَ ذلك كله.

ومع انطلاق عملية طوفان الأقصى، ورد العدو الصهيوني بارتكاب الإبادة الجماعية بحق المسلمين في غزة، أخفى شياطين نجد رؤوسهم في التراب وكأن شيئاً لم يكن، وياليتهم اكتفوا بذلك، فقد انطلقوا لتجريم المقاومة الإسلامية في غزة، وحاولوا شيطنتها بكل السبل، في محاولة بائسة لتحطيم معنويات المقاتل الفلسطيني، ونصرةً لجيش الاحتلال.

كنا نتمنى منهم أن يعتبروا اليهود على الأقل روافض، لبغضهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وإساءاتهم المتكررة له وللقرآن الكريم، ولذبحهم المسلمين بدمٍ بارد في غزة والضفة، لكن ذلك كله لا يُشكل معضلةً لديهم، فالأمر برمته فتنة لا ينبغي الحديث عنها.

كل ذلك ليس إلا دلائل دامغة على أن السعودية و”إسرائيل” وجهان لعملة واحدة، وأن الوهابية هي الوسيلة لتهويد المسلمين من الداخل، كما سبق وفعل اليهود مع المسيحيين عبر البروتستانتية، فقد أنفقت السعودية تريليونات لنشر تلك العقيدة المضلة في أوساط العالم الإسلامي، مستغلة هيمنتها على بلاد الحرمين التي وصلت إليها في عشرينيات القرن الماضي بدعم وتسهيل الإنجليز.

وعلى ذكر الإنجليز، فقد استطاعوا في أربعينيات القرن الثامن عشر، من اختلاق الفكر الوهابي عبر المستشرق الإنجليزي المعروف باسم “مستر همفر”، وكان الهدف من ذلك تمهيد العالم الإسلامي لقبول اليهود في فلسطين، وتفريق الصف الإسلامي من الداخل، وضرب أي توجه مناهض للكيان الصهيوني بين أبناء الأمَّة.

ومنذ ذلك التاريخ، تتحرك الوهابية والصهيونية في خط واحد، فالأخيرة تقتل المسلمين في فلسطين، والأولى في سائر العالم الإسلامي، وحتى لا تستقيم شوكة المسلمين، يتحرك الطرفان لوأد أي توجه تحرري قبل انبعاثه في أوساط العرب وسائر الأمة.

ولنا في إيران خير شاهد، فحكومة الشاة هناك كانت على علاقات وطيدة مع إسرائيل، ومع ذلك تحظى ويحظى ملكها محمد رضا بهلوي بالتبجيل والتعظيم في السعودية وشيوخ الوهابية، قبل أن ينقلب ذلك كله إلى النقيض بمجرد قيام الثورة الإسلامية وطرد السفير الإسرائيلي من طهران.

وفي اليمن كان تحرك السعودية جلياً منذ البداية ضد المشروع القرآني الرافض لهيمنة اليهود على البلاد الإسلامية، فكان التكفير والتحريض والعدوان لسنين طويلة خدمةً لعيون الصهاينة.

ولو أن اليمن تخلى عن معاداة الصهيونية لكان مرحباً به في الرياض حتى وإن كان معادياً للسعودية نفسها، كما هو حال بعض المرتزقة، فالمملكة تقدم مصالح اليهود دائماً على مصالحها الخاصة.

إلا أن ما نراه اليوم من تفاعل واسع مع القضية الفلسطينية، وتحرك اليمن إلى نصرة فلسطين وغزة، هو بمثابة هزيمة للمشروع الوهابي ومن يقفون خلفه، كما أن رجال غزة اليوم أظهروا حكام المملكة وشيوخها في موقف لا يحسدون عليه، بعد أن سقطت الأقنعة وظهر الجميع على حقيقتهم.

وكما قال الصحابي الجليل بلال بن رباح رضي الله عنه: “الحق واضح والباطل واضح، وما بينهما باطل”.

* المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب