السياسية || نصر القريطي:

قبل أسابيع استضافت قناة الجزيرة مباشر مساعداً سابقاً لوزير الخارجية الأمريكي في عهد الرئيس بيل كلنتون..
الضيف الأمريكي قال بثقةٍ مطلقةٍ وبالحرف الواحد “ان ما يقوم به اليمنيون في البحر الأحمر ليس أكثر من “مشاغلاتٍ” كما سمّاها يستغل من خلالها الحوثيون حرص واشنطن واصرارها على عدم توسع دائرة الصراع،
بذات الثقة ايضاً أكد ذات المسئول ان “تلك العمليات وان بدت مثيرةً وتزعج الولايات المتحدة وحلفاءها إلا انها لا ترقى الى المستوى الذي يستوجب من واشنطن التحرك عسكرياً لوضع حدٍّ لها”..
كان الدبلوماسي الأمريكي المخضرم كما وصفه المستضيف يجيب على تساؤلٍ للقناة القطرية بشأن عدم تحرك واشنطن على الرغم من تصاعد العمليات النوعية للبحرية اليمنية في البحر الأحمر الذي توّجت باقتياد ناقلة عملاقة الى ميناء الحديدة إضافة الى غيرها من العمليات..
يومها كان خطاب صنعاء واضحاً وأخذ وتيرةً تصاعدية متسارعة تم من خلالها تحديد اهداف هذا التحرك العسكري المتقدم والمدروس..
وضع السيد عبدالملك الحوثي المحددات الأساسية لهذا التحرك اليمني الذي قال انه ثابتٌ ومبدئي لا يتأثر بالتهديدات ولن يتراجع بسبب الخوف من العواقب كما انه لن يتمايل مع العروض والمغريات الكاذبة..
كما اعتبر ان الفعل اليمني لن يكون له سقف طالما استمرت الحرب والحصار اللا انساني المجرم على أهل غزة في ظل صمتٍ وعجزٍ دوليٍّ مطبق..
بدورها ترجمت قوات البحرية اليمنية والقوة الصاروخية وسلاح الجو المسيّر تلك المحددات بصورةٍ فورية ومباشرة وارتبطت مراحل تفعيلها بخطاباته المتزامنة التي أكدت أن لا خطر على خطوط الملاحة الدولية في باب المندب والبحر الأحمر وبالمقابل فإنه لا سلام ولا مرور لأي سفينة إسرائيلية أو من أي جنسيةٍ كانت طالما وانها تتجه الى موانئ كيان الاحتلال..
لم تترك صنعاء للأمريكان فرصةً للهرب إلى الامام في إطار مسلسل الاشتراك المباشر واللا أخلاقي واللا انساني الذي تبنته كل المؤسسات الأميركية في نصرة القتلة على حساب الضحايا من النساء والأطفال والمدنيين في غزة..
وجدت واشنطن نفسها بين سندان العجز عن حماية السفن والمصالح الإسرائيلية في البحر الأحمر وبين مطرقة العجز عن الرد على الفعل اليمني الحاسم والمتقدم..
اختار البنتاجون الخيار الثاني المتمثل في تجّنب المواجهة العسكرية المباشرة مع صنعاء واللجوء لتوزيع الحمل على حلفاء الولايات المتحدة وتحديداً الدول الأوربية التي سبق ان وضعتها واشنطن في مواجهة مع الروس في حربٍ مفتوحةٍ ومباشرةٍ وتبدو خاسرةً في أوكرانيا..
أعلن وزير الحرب الأمريكي على عجالة تشكيل تحالف بحريّ جديد للوقوف في وجه الحوثيين الذين يستهدفون أهم طرق الملاحة والتجارة الدولية بحسب مزاعم واشنطن لكن ذاك التحالف لم يكن ليكتب له ان يرى النور بعد ان وضع قائد الأنصار النقاط على الحروف الامريكية المبعثرة..
لم يمهل السيد عبدالملك الدول التي اعتادت ان تكون ضمن التحالفات الامريكية التي تستهدف شعوب المنطقة فسارعهم بالتخيير بين ضمان سلامة سفنهم ومصالحهم وبين الالتحاق بركب الامريكان المفلسين الذين لا يقصدون بحماية الملاحة الدولية سوى توفير الغطاء الكامل لـ”إسرائيل” للمضي قدماً في استكمال حرب الإبادة الجماعية التي تستهدف بها أهل غزة..
وازنت دولٌ مثل اسبانيا وإيطاليا وفرنسا وحتى الدنمارك وهولندا بين أتون السراب الأمريكي الذي لم يعودوا يقدرون منه على شيء وبين القول اليمني الذي يتبعه دائماً فعلٌ صريح والذي رأوا ترجمته الفورية بعد كل خطاب للسيد في البحر الأحمر وباب المندب..
تبرأت كثيرٌ من الدول الغربية من جريمة الانضمام للتحالف البحري الميت الذي حشرتهم فيه واشنطن بعلمهم احياناً ودون علمهم في احايين كثيرة..
وجد الامريكان تحالفهم المزعوم وهو يدفن قبل ان يولد وقررت كل الدول الغربية تقريباً عدا بريطانيا الحفاظ على مصالحها البحرية في البحر الأحمر وتجنب الانخراط في مواجهة مباشرة مع الحوثيين..
لقد وجد الامريكان انفسهم مجردين من كل حلفائهم عدا الإسرائيليين والبريطانيين وذاك ليس مستغرباً فجميعهم في مركبٍ واحد ويبدو انه يشارف على الغرق في باب المندب..
لقد تغيرت قواعد الاشتباك والى الابد في هذه البقعة المهمة من العالم وذاك ليس كرد فعل بل هو ناتجٌ عن فعل مباشرٍ وحيوي فرضه اليمنيون على الامريكان والعالم كله بانخراطهم بصدقٍ وبقوة في ميدان المعركة مع أهل غزة على الرغم من ان قواعد السياسة والجغرافيا أبت ان تمنحهم ارضاً مشتركة مع فلسطين.

  • المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب