السياسية:
ليلى عماشا*

 

يخوض الإعلام حربًا شرسة، تعكس تمامًا مشاهد تلك التي تدور في جبهات القتال، على امتدادها. ولذلك، يتخبّط الإعلام العبري ويسير بغير هدى، تمامًا كجيشه المهزوم مهما حاول تأجيل إعلان هزيمته أو تجميلها عبر تفعيل الخطوط الدبلوماسية.

من يتابع الإعلام العبري في الآونة الأخيرة، يسهل عليه اليقين بالنصر القادم، فكمّ الأخبار التي تعبّر عن التيه والضياع والهزيمة في كلّ ما يصدر عن العدو عبر اعلامه يشكّل مؤشّرًا موضوعيًا على العجز الصهيوني التام عن إدارة أخبار المعركة، رغم مساعي الجيش الصهيوني الحثيثة للتعتيم على خسائره اليومية وتقييده للكثير من الأخبار المتعلقة بجنوده ومراكزه.

أضف إلى ذلك حال التخبط داخل ما يسمى بالمجتمع الصهيوني، والذي يدرك هزيمة جيشه وكيانه فيطالب بوقف الحرب، ليس حبًّا بالسلام طبعًا، بل خوفًا من النهاية التي تقترب.

هذه الحال تنعكس في اعلامهم بطبيعة الأحوال وتظهّر مشهد “المجتمع” المتناحر بشكل واضح جدًا. وهنا لا يتعلق الحديث بتناحر نظام ومعارضة، أبدًا. فهذا التناحر على السلطة لا يعنينا بتاتًا، فجميع أهل هذا الكيان واحد في قتلنا وتهجيرنا وترهيبنا. المسألة تدور حول الانقسام الحاد بين صهاينة يريدون الاستمرار في المعركة لحين تحقيق قطرة فوز تُعوّض ماء وجه الكيان الذي مُرّغ في وحل الهزيمة منذ السابع من أكتوبر، وصهاينة يطالبون بوقف المعركة والاكتفاء بهذا القدر من الخسائر المتزايدة في كلّ ساعة. الفريقان يعلمان بأنّ كيانهام مهزوم وعاجز عن تحقيق الحد الأدنى من الأمان، الفارق بينهما يكمن في كيفية التعامل مع هذا الواقع فقط.

إذًا، يتخبّط الإعلام العبري بشقّيه: الإخباري والتحليلي.

على صعيد الأخبار، ينقل أحداثًا لم تحدث أحيانًا، كخبر يقول عن اشتباك بين جيشه وحزب الله عند الحدود الشمالية، ثمّ يعود ليكتشف بعد حين أن لا صحّة للاشتباك، وأن ما سُمع من الأصوات كان اشتباكًا فعلًا ولكن بين فرقتين من جنوده بعدما ظنّت كلّ منهما أن الأخرى “حزب الله”. أو يتحدّث، في محاولة لاستعادة صورته العنجهية التي تكسرّت وداست عليها كلّ الأقدام، عن أن حزب الله ابتعد عن الحدود ولو قليلًا لتنكشف كذبته بعد قليل فقط. أو حتى ينقل عن الجيش، الكاذب بدوره، عن تمكّنه من ضرب بنى تحتية خاصة بحزب الله ليتبيّن في اليوم نفسه أن هذا الجيش تمكّن من قصف بيت مدني في إحدى قرى الحدود.

دوامة الأخبار الكاذبة هذه والتي يريد العدو توظيفها كأداة في الحرب النفسية تنعكس ضدّه، وتصيب منه مقتلًا من نيران صديقة! فهو مع كل دورة في دوامته هذه يخسر أكثر.

أما على الصعيد التحليلي، فحدّث ولا حرج. ضياع مشهود يتقاسمه كلّ الذين يظهرون على شاشات التلفزة العبرية للإدلاء بدلوهم حول الأحداث، وكلّ الكتّاب في الصحافة العدوّة يتقاذفهم الشعور بالهزيمة النكراء: منهم من يحاول انكارها والهروب إلى الأمام عبر التصعيد في الموقف العدواني والمضي في الوحشية إلى آخرها، ومنهم من يحاول استيعاب الصدمة والتعامل معها بواقعية فيسوّق لفكرة وقف المعركة إلى حين استعادة قدرة الجيش المتكسّر على الردع، ومنهم فريق ثالث يحاول أن يكون رأس حربة في الحرب النفسية ضد أهل المقاومة، فيصب كلّ تركيزه علينا. يتجاهل كلّ مصائب قومه إن صحّ التعبير ويأتي إلى منصات التواصل كي يأخذ منشورًا انهزاميًا مذيّلًا باسم شخصية محسوبة عادة على محور المقاومة ويعتبر المنشور دليلًا على انتصار جيشه وعلى زعزعة قوّة المقاومة في نفوس الناس.

في الكيان المؤقت، جميع المستوطنين هم محتلّون وغاصبون وقتلة، مهما تغيّر هندامهم وتنوّع منطقهم: العسكري والصحفي والسياسي والطبيب وتاجر الحلويات والمهندس وعامل النظافة. جميعهم في العدوانية سواء. وإن كان عسكرهم في فوّهة مدفع الهزيمة الآن، فإعلاميوهم ليسوا في حال أقل سوءًا. الفارق الوحيد أن الجند يُقتلون في ساحات المعركة، والاعلاميون يُفضحون في تيههم أكثر، فيُقتلون معنويًا.

* المصدر: موقع العهد الاخباري

* المادة نقلت حرفيا من المصدر