إيهاب زكي*

ثلةٌ من الجبناء الرعاديد يقودهم بعض أوغادٍ يُطلقون على اجتماعهم مسمى “جيش”، حفنةٌ من أبناء الرغبات الاستعمارية الشاذة، يدّعون أنّهم جيش، يمارسون الجُبن في أكثر صوره وضاعةً واستنذالًا، يسّمون قتل الآمنين العزّل قتالًا، بينما لا يعرفون حتى أبجديات القتال، لأنّهم ما خُلقوا له ولا خُلق لهم، يستسلمون إن لم يستطيعوا فرارًا مجرد رؤيتهم لمقاتلٍ حقيقي.

أعطِ أحدهم دبابةً محصنةً بأطنان الفولاذ، محشوة بالذخائر الفاتكة، وضعه أمام طفلٍ وامرأة مثلًا، أو حتى طفلين وامرأتين أو عشرة أو مئة، أو المئات من العُزّل، فلا يمكن قهره أو هزيمته، أو أعطه طائرة حربية محمّلة بالصواريخ وأطنان القنابل، وأخبره أنّ تحتك عشرات أو مئات البيوت الآمنة الغافلة، لن تقهره مئات أو آلاف البيوت المكدسة بالبشر، إنّه حقا ً”جيشٌ” لا يُقهر؟

إنّ العقيدة العسكرية الراسخة لهؤلاء الأراذل من شتات الأمم، هي قتل المدنيين وتدمير المدن والقرى والأحياء، حتى يستسلم من يقاتل، وكلّما تمترس المقاتل أكثر، قتل المدنيين أكثر، وكلما أبدينا خوارًا أكثر استأسدنا على الأطفال والنساء أكثر.

“جيشٌ” لا يمكن أن تقهره الحصون مهما كانت محصنة بأسرّة المرضى وأجهزة الأشعة ومستودعات الدواء، ومهما تحصّن المتحصنون فيها بالروب الأبيض وتسلحوا بالسماعات، لا يمكن لمستشفى مهما كانت تحصيناتها الصيدلانية أن تقهر “الجيش الذي لا يُقهر”، ومهما كانت المستشفيات أو العيادات كبيرة أو صغيرة، لا يمكن لها أن تستعصي على جيش المستشفيات والعيادات الطبية، ومهما أوتيت السرنجات من حدّة والضمادات من قوةٍ ورباطة، لا يمكن لها الصمود أمام “الجيش الذي لا يُقهر”.

وفي وقت الحديث عن الهدن، يستشرس “الجيش الذي لا يُقهر”، فيهدم بنيان الأطفال ويجرف أسرة المرضى، ويبدأ قادته بالحديث عن الضغط بالنار على الجبهات، ويبدأ بقتل كل من ليس على الجبهة وكل أعزلٍ، طفلًا شيخًا أو امرأة، أطباء وصحافيين ومحاميين ليس مهمًا، المهم أنّه ليس بمقاتل، لأنّ “الجيش الذي لا يُقهر” لا يستطيع مجرد رفع عينه في مقاتل، يستسلم للموت أو للأسر كفأرٍ صغير، حتى لو كان مدججًا بالنار محصنًا بالفولاذ.

جنديٌ أقصر الطرق بالنسبة إليه هي الفرار، وإن واتته الشجاعة ليفرّ، وحملته قدماه، سينتحر لاحقًا من كوابيسه، وقد تكون كل مآساته التي تؤرق لياليه وينتحر بسببها في النهاية، أنه صادف مقاتلًا يحمل سلاحًا.

نشاهد مقاطع الفيديو التي ينشرها ذاك “الجيش”، وكلها تمثيلية أبعد ما تكون عن الميدان، مجرد ممثلين يرتدون الأزياء العسكرية ويطلقون النار على الهواء وفي الخواء، ويصطنعون بطولاتٍ في الوهم، ويتمنون أن تكون المواجهة بسهولة التمثيل، أو بسهولة تجريد العزل من ملابسهم وتحميلهم السلاح، لالتقاط صور نصرٍ موهوم، كما في شهادة أحد أطباء مستشفى كمال عدوان، حين قام “الجيش” بتجريد النازحين من ملابسهم وتحميلهم أسلحة أمن المستشفى، ثم قاموا بتصويرهم كونها صورة لاستسلام “القساميين”.

إنّ جيشًا يبحث عن صورة نصرٍ في تعرية النازحين وجثامين الأطفال، هو جيشٌ لا يعرف للنصر طريقًا، ولا يعرف للأخلاق سبيلًا، إنّهم ثلة من الجبناء الذين يتخذون من الإيغال في الدم البريء ستارًا لجبنهم.

إنّ المقاتلين الفلسطينيين أولي البأس الشديد، يثخنون في هذا “الجيش” قتلًا وجرحًا وإهانة وإذلالًا، لكنه لا يرعوي عن استمراء الذلّة، لأنّه ليس صاحب قرار الحرب، ولو كانت الحرب قراره لفرّ منذ الأسبوع الأول للمناورة البرية، لكنه القرار الأمريكي الذي يسلق هذا “الجيش” وقادته بلظى الإصرار على المواصلة، بالرغم من صراخهم الشديد الذي يتبدى حتى وهم في عزّ عنجهية المؤتمرات الصحفية.

هذا “الجيش” الذي يعجز عن مواجهة غزة المحاصرة، ويتلقى الصفعات كل دقيقة، يتبجح بتهديد لبنان، وهذه قمة الكوميديا، حيث إنّ جبهة لبنان لا تشبه أيّ جبهة، فإذا كانوا يذوقون الجحيم في غزة، فإنّ جحيمها بكل ما أوتي من حريق سيبدو نزهة، مقارنة بالنار التي ستُفتح عليهم من لبنان، وسيكتشف هؤلاء الرعاديد، أنّ تزيين الجبن بخسة القتل ليست دائمًا سبيلًا آمنًا.

لا ينتظر الناس في غزة هدنة، بل ينتظرون إحدى الحسنيين، إمّا وقفًا شاملًا للنار مع صفقة تبادل واحدة أو عدة صفقات، أو أن تصبح الحرب إقليمية لتكون الأخيرة والسريعة، لأنّ الشكوك لا تساورهم بوهن الكيان الزائل، وأنّ ما يحدث هو مجرد محاولاتٍ أمريكية غربية لوضع الكيان على أجهزة التنفس الصناعية لأطول وقتٍ ممكن، لذلك فإنّ حربًا إقليمية من دون تدخلٍ أمريكيٍ مباشر، تعني أنّ عداد وقت الزوال سيعمل بالساعات لا بالأسابيع والشهور. لأنّ”الجيش” الذي لا يُقهر، سيسارع لتغطية الجبن بالهرب لا بالقتل.

* المصدر: العهد الاخباري
* المقال يعبر عن وجهة الكاتب