من المتضرر الأكبر من حرب غزة.. أمريكا أم إسرائيل..!
السياسية || نصر القريطي:
كشف الزلزال الذي ضرب إسرائيل في السابع من أكتوبر المجيد عن ارتداداتٍ زلزاليةٍ طالت الولايات المتحدة الامريكية قد يكون بعضها اكبر حجماً واكثر تأثيراً مما جرى في دولة الاحتلال مركز الزلزال..
لقد كشف طوفان الأقصى عن أن مصير الولايات المتحدة الامريكية مرتبطٌ وبشكلٍ وجودي بمصير كيان الاحتلال الإسرائيلي وعوامل بقائه..
قد يكون من بديهي القول ان العكس هو الصحيح وهو ان مصير إسرائيل مرتبطٌ بمصير الأمريكان لكن الوقائع على الأرض كشفت لنا ايضاً أن العكس بالعكس صحيح..
لقد سارعت واشنطن ومنذ اليوم الأول للحرب الإسرائيلية على غزة إلى ارسال مدمراتها وبوارجها الحربية وحاملات طائراتها الى مياه البحر الأحمر وكان الهدف المعلن لذلك التحرك هو (العمل على عدم اتساع رقعة الصراع) ويجب ان نضع هذه العبارة بين مزدوجين..
فهم العالم كله ان هذا الهدف الأمريكي المعلن ليس اكثر من غطاءٍ مفضوحٍ لحقيقة التوجه الأمريكي لدعم إسرائيل في عدوانها على غزة واستعداداها للذهاب بعيداً في دعم حرب الإبادة الجماعية التي تشنها تل ابيب على الفلسطينيين..
الدفاع عن إسرائيل حقيقةٌ يجب ان لا نغفلها لأن واشنطن لا تخفيها ولم تنكرها يوماً بل أنها تتباهى بها في كل مناسبة لكن الحقيقة الأخرى التي يجب ان لا تنسل من بين أيدينا هي ان العبارة السابقة التي وضعناها بين مزدوجين تحمل بعداً آخر غير حماية امن إسرائيل مرتبطٌ أكثر بفكرة الوجود الأمريكي..
تلك ليست مجرد أماليّ ولا هي تخرصاتٌ أو من باب القراءة السياسية بل هي حقائق على الأرض لم يستطع الامريكان تفاديها حتى على مستوى الداخل الأمريكي الذي صارت الانتخابات الامريكية معلّقة على آثار هذه الحرب الوجودية منذ يومها الأول..
على هذا الصعيد كشفت تصريحاتٌ بدت شاذّةً للرئيس الأمريكي عن اختلالٍ جوهري في ميزان المسارات المفترضة وغير المتوازية بين الامريكان من جهة وكيان الاحتلال الإسرائيلي بكل مكوناته من جهة أخرى..
يومها قال بايدن ان إسرائيل بدت تفقد الدعم في جميع انحاء العالم وأن حكومة نيتنياهو هي الاكثر تطرفاً وفشلاً وأكثر من ذلك ان على هذه الحكومة المتطرفة ان تتغير..
يومها ايضاً سارع الاعلام الأمريكي والغربي والإسرائيلي وحتى العربي المطبّع لتفسير تلك التصريحات على انها تأتي في سياق السخط الأمريكي من عدم امتثال تل ابيب لنصائح واشنطن بشأن تقليل الأعداد الكبيرة للضحايا المدنيين الذين تقتلهم إسرائيل وبشكلٍ جماعيٍّ متعمدٍ ومباشر..
تأويلٌ أقل ما يمكن ان نصفه به هو ان شراكةٌ أخرى في جرائم الحرب التي ترتكب في غزة فلا خلاف بين الامريكان والصهاينة بشأن عمليات الإبادة الجماعية التي تتم بحق الفلسطينيين..
كما انه لا يمكن تفسير تلك التصريحات بأنها صحوةٌ امريكيةٌ متأخرةٌ لأن واشنطن لا تزال تشارك حتى اليوم في قتل الفلسطينيين بل انها تضاعف من عمليات دعمها لجرائم الحرب اليومية بحق الفلسطينيين..
إذن ما الذي دفع الثعلب العجوز بايدن لانتقاد حلفاءه اليهود وفي هذا التوقيت بالذات الذي يمكن ان يشكّل ضربةً استراتيجية للدولة الصهيونية التي يفاخر بايدن دوماً بأنه صهيونيٌّ الانتماء اليها وان لم يكن يهوديّاً..!
الإجابة على هذا التساؤل ستضعنا في المسار الصحيح وهو ان الآثار الزلزالية لطوفان الأقصى ابتداءً ثم جرائم حرب الإبادة التي تمارس بحق الفلسطينيين أحدثت شرخاً بين واشنطن وتل ابيب لا يمكن ردمه لا بالتصريحات الجوفاء ولا حتى بالاستمرار المعلن في دعم إسرائيل..
لذا فإن فقدان الدعم الذي تحدث عنه الرئيس الأميركي لا يقتصر على إسرائيل فحسب بل انه يطال الولايات المتحدة بالدرجة الأولى واكثر من ذلك يطال بايدن بصورة شخصية في ماراثون الانتخابات الرئاسية الوشيكة التي سيخوضها باسم الديمقراطيين..
لقد أظهرت الكثير من استطلاعات الرأي الأخيرة في الولايات المتحدة ان شعبية بايدن بدأت في التراجع في الكثير من الولايات الامريكية بل واكثر من ذلك أظهرت بعضها تقدم شعبية ترامب عليه على الرغم من ان هذا الأخير بات كرتاً محترقاً..
ان انعكاس الحرب الإسرائيلية على غزة ليست تهديداً لتقويض دولة إسرائيل فحسب بل هي ايضاً تهديدٌ مباشرٌ للولايات المتحدة التي فقدت اليوم الكثير من مفاعيلها..
لقد شكلت حرب غزة المسمار الأخير في نعش فكرة الأحادية القطبية لقيادة العالم التي تفرد بها الامريكان لعقود وما عجز واشنطن عن تشكيل القوة البحرية متعددة الجنسيات في باب المندب إلا احد آثارها..
كما ان الضربات الموجعة التي تتلقاها القوات الامريكية في العديد من القواعد الموجودة في الدول العربية هي ملمحٌ آخر من ملامح توسع الصراع الذي يخشاه الامريكان..
أما أعظم تلك الآثار الزلزالية للحرب على غزة والتي طالت الامريكان بشكلٍ مباشرٍ فهي فرض القوات البحرية اليمنية قواعد اشتباكٍ جديدة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب والتي أظهرت عجزاً امريكياً لم يسبق له مثيل..
كشف شهران ونصف من الحرب الاسرائيلية على غزة أن أي تهديدٍ يطال إسرائيل سينعكس بالضرورة على الإطار الوجودي للولايات المتحدة الامريكية..
ان تشابه فكرة قيام أمريكا وإسرائيل تجعل من عوامل زوالهما متشابهة فكلا الدولتين ظهرت فجأة على الخريطة العالمية بعد اغتصاب أرض الغير واحلال قطعان المستوطنين الجدد بدلاً عن السكان الأصليين والإصرار على إبادة أهل الأرض الحقيقيين والعمل على تهجير من نجا منهم.
*المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع