خيارات واشنطن في البحر الأحمر.. “فائض القوة” الأميركي مقيّد
السياسية:
يشكّل الواقع المفروض يمنيّاً على البحر الأحمر معضلة مركّبة للإدارة الأميركية. بسبب ضيق الخيارات المطروحة على الطاولة لمعالجة هذا الأمر دون أن يكون ذلك مساساً “بالهيبة الأميركية” أو بالأمن القومي الصهيوني. وهذا ما يفسر الازدواجية في التصريحات العلانية عالية السقف التي لا تعكس حقيقة ما يجري خلف الأبواب المغلقة، حيث أبلغ مسؤولون أميركيون سلطنة عمان أن لا رغبة لهم بالتصعيد. لكن استمرار هذا الواقع لوقت أطول، سيكشف عن عجز أميركي محرج أمام الحلفاء ثم الخصوم، في حين أن الهرب إلى الامام سيزيد التكلفة على مختلف الصعد.
لا شك في أن واشنطن تخوض حرباً غير متكافئة مع صنعاء. لكن السؤال يكمن في كيفية ترجمة هذا الواقع في الميدان ومدى قدرتها على توظيف التكنولوجية العسكرية لديها في تحييد القوات المسلحة اليمنية في ظل هدفها المتمثل بتضييق جغرافيا المواجهات وحصرها في فلسطين المحتلة. وهذا يعني أن “فائض القوة” لدى البيت الأبيض مقيّد، وخيارات الاستفادة منه ضيقة.
خلال الحرب الأميركية السعودية على اليمن، اختبر التحالف نوعاً آخر من الاستنزاف. اذ أن الفارق النوعي الذي حققته الطائرات المسيّرة، شكّل أزمة واضحة لدى مختلف الدول المشارِكة. وبرزت مقارنة سعر الطائرات الصغيرة مقابل سعر الصواريخ الاعتراضية.
هذه المعادلة على صحتها، إلا أنها قابلة للنقاش. في المشهد العسكري بالبحر الأحمر، تجب المقارنة بين سعر الطائرة المسيرة وثمن الهدف. أي أن الهجوم الناجح لطائرة دون طيار تكلفتها لا تتجاوز 2000 دولار، سيتسبب بخسارة سفينة تزيد قيمتها عن 50 مليون دولار وتحمل سلعاً تجارية بما يعادل 500 مليون دولار أو أكثر.
في الواقع، فإن نوع السفن الحربية التي استقدمتها واشنطن وحلفاؤها إلى الممرات المائية في تلك المنطقة، تزيد الأمر تعقيداً بالنسبة لهم. حيث استقدمت الولايات المتحدة، مدمرات من طراز Arleigh Burke. وتبعتها ترسانة بريطانية تحمل حوالي 60 صاروخاً بحسب وسائل اعلام أميركية. لكن المعضلة، أن الوتيرة التي تشن فيها القوات المسلحة اليمنية عملياتها، ستستهلك سفينة واحدة أسلحتها في غضون أسبوعين تقريباً. واذا بقي الواقع على ما هو عليه لفترة أطول، سيكون من الصعب تجديد المخزون والحفاظ على الامدادات في عرض البحر.
تفرض الخيارات الثلاثة المتاحة أمام واشنطن عدداً من الاشكاليات:
-تحويل مسارات السفن إلى رأس الرجاء الصالح قبالة السواحل الافريقية. وقد خبر المستثمرون هذا النوع من الرحلات أواخر ستينيات القرن العشرين. لكن تكلفتها اليوم، قد تزيد 58% من وقت الرحلة وتكلفتها، وما يؤثر ذلك على سلال التوريد وسعر البضائع.
-الخيار العسكري واستهداف مخازن الأسلحة. وهو ما يشكك بجدواه مسؤولون أميركيون أيضاً. اذ أن المعلومات الاستخبارية لدى واشنطن لتحديد بنك الأهداف محدودة. في حين أن الدولة التي ترزح تحت وطأة الحرب طيلة 9 سنوات، استطاعت تطوير ترسانة عسكرية هامة تحت القصف والحصار.
-توسيع التحالف ليشمل أكبر عدد من الدول. وهو معضلة أميركية إضافية. فهي لم تستطع اقناع عدد من الدول الغربية والعربية “للانضمام الفاعل” إلى المواجهة. وعلى الرغم من أن التحالف ليس جديداً وكان قد شكل سابقاً من 39 دولة، من بينها دولاً عربية، إلا أن الاستجابة العلنية اليوم، ستأخذ بعداً سياسياً غير مرغوب فيه لدى كثير من الدول.
ومن المساهمين المحتملين الآخرين التي قد تتطلع واشنطن إليهم -كرمزية سياسية- هي الصين، التي لطالما أبدت استعدادها لمكافحة القرصنة وحماية الممرات المائية الدولية. لكن السؤال الأصعب هنا يرتكز على فرضيتين: هل تفضّل القوى الغربية دفع ثمن حماية التجارة البحرية العالمية، والتي تعد الصين أكبر مصدر لها ويمكن القول إنها المستفيد الرئيسي منها، أو المساعدة في تسهيل قدرة الصين المتنامية على استعراض قوتها البحرية أمام مرأى العالم أجمع.
تقف واشنطن منتصف مربع مشتعل. كل الخيارات التي قد تتخذها للخروج ستسبب لها صداعاً على إحدى الجبهات التي تخوض فيها حرباً. فلا هي قادرة على كشف نقاط ضعفها أمام حلفائها الذين يعوّلون على قدرتها بحماية نفسها وحمايتهم، أو أمام خصومها الذين ينتظرون هذه اللحظة. وتبقى الحقيقة الثابتة، أن إطالة أمد الحرب بات يكلف كلا من تل أبيب وواشنطن ثمناً استراتيجياً باهظاً، يمس بصورة الردع، وهو ما يصعب ترميمه لاحقاً.
* المصدر: الخنادق
* المادة نقلت حرفيا من المصدر