الخيارات الأميركية بوجه التصعيد اليمني: شبح حرب إقليمية تتجنّبها واشنطن
السياسية:
لقمان عبد الله*
فيما كانت الولايات المتحدة في المراحل الأولية من مناقشات مع حلفائها الخليجيين وإسرائيل لمنع صنعاء من تنفيذ هجماتها ضد السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر وخليج عدن، فوجئت بقرار الأخيرة توسيع قرار الحظر ليشمل كل السفن المتجهة إلى الكيان الصهيوني من أي جنسية كانت، علماً أن قراراً بهذا الحجم لم يكن ليصدر لولا الاستعداد اليمني الكامل لكل الاحتمالات، والتي منها شن عدوان أميركي – خليجي على الأراضي اليمنية.
وإذ تدرك صنعاء التداعيات الكبيرة لقرارها على كيان العدو، فهي خبِرت طوال سنوات الحرب عليها، كيفية مواجهة أي تصعيد ولديها الكثير من الخيارات والمفاجآت.
ويقول مسؤولون في صنعاء إن توقيت قرار منع السفن العابرة إلى إسرائيل من كل الجنسيات، مرتبط باستخدام الولايات المتحدة الفيتو ضد الإجماع الدولي في مجلس الأمن على وقف الإبادة الجماعية في غزة، ويلمّح هؤلاء إلى أن القرار تصاعدي، ولن يكون الأخير في ظل تصاعد الحرب وتعقّد الأزمة ووصولها إلى طريق مسدود.
ويمتلك اليمن ترسانة من الأسلحة الاستراتيجية والتكتيكية التي في مقدورها استهداف كامل البحر الأحمر، ومنها صواريخ بحر – بحر وأرض – بحر وطائرات مسيّرة وزوارق مسيّرة وعدد من أنواع الألغام البحرية التي تعمل بأنظمة ذكية ولديها قدرات تدميرية عالية، إذ إنّ أي تصعيد سيكلّف 50 عاماً من المشكلات المرهقة، وفقاً لما لمّح إليه نائب وزير خارجية حكومة صنعاء، حسين العزي، قبل أيام.
وفي حال قرّرت واشنطن المغامرة، تستطيع البحرية اليمنية نشر عشرات آلاف الألغام على أنواعها في البحر الأحمر.
وتعترف وسائل إعلام أميركية بهذه القدرات، إذ اعتبرت مجلة «نيوزويك» الأميركية أن الصواريخ الباليستية والصواريخ المضادة للسفن، هي قدرات متخصّصة لا يملكها سوى عدد قليل من الدول، وكذلك «أنصار الله» في اليمن.
وتدافع صنعاء بأنها لا تهدّد الأمن الملاحي والممرات المائية، ولا هي بصدد الإغلاق التام لمضيق باب المندب، بل «تقوم بواجبها في مساندة أهالي قطاع غزة ومقاومته من الباب الإنساني والقومي والديني»، وتشترط للتراجع عن قرارها فكّ الحصار عن القطاع وفتح معبر رفح.
وفي المقابل، تدرك واشنطن تماماً أن الانخراط في أي عمل عسكري ضد صنعاء، سيكون بمنزلة مخاطرة كبيرة ستؤدي إلى تورّطها في حرب إقليمية أوسع نطاقاً، تعمل الديبلوماسية الأميركية بشكل نشط على تجنّبها حتى الآن. لا بل إن الولايات المتحدة تحاذر وضع «أنصار الله» على لائحة الإرهاب الأميركية، خشية أن يؤدي ذلك إلى انفلات الأمور عن عقالها، وتبرّر عدم تدخّلها العسكري بأن اليمن يستهدف أصولاً إسرائيلية لا أميركية، بينما يعتقد مسؤولو «البنتاغون» بأن الصراع قد يتصاعد وأن الوجود الأميركي في البحر الأحمر معرّض للخطر.
ومنذ أيام، حذّر «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» من أن تصاعد هجمات اليمن سيعرّض حركة المرور البحرية في البحر الأحمر لاضطراب كبير، وأن أمن الطاقة العالمي وتجارة البضائع سيعانيان من ضربة أخرى، بخاصة أن أوروبا لم تتعافَ بعد من التأثير الهائل للحرب الأوكرانية.
ومن غير المعلوم ما إذا كانت واشنطن ستبقى على موقفها بعد قرار صنعاء الأخير، خصوصاً أنها تتعرّض لضغوط معنوية تضرّ بهيبتها وقوة ردعها، معطوفة على تهديد رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، بأن إسرائيل ستضطر إلى التحرّك ضد اليمن عسكرياً إذا لم يتم فعل شيء. على أن وسائل إعلام إسرائيلية قالت، أمس، إنه يبدو في الوقت الحالي أن إسرائيل تمنح الأميركيين وقتاً لتشكيل «قوة مهام» بحرية بالتعاون مع بريطانيا في البحر الأحمر لردع اليمن عن اعتراض السفن الإسرائيلية.
ونقلت عن مسؤول أمني كبير قوله إن أي إجراء ضد اليمن في الوقت الحالي سيخدم بشكل مباشر إيران. وفي حال قرّرت البحرية الأميركية المواجهة مع اليمن، فلن تكون مهمتها سهلة، بل غاية في التعقيد، بسبب التموضع المخفي والمحصّن للقدرات اليمنية. وهذا ما تنبّهت إليه مجلة «نيوزويك» بالقول إن العالم لم يشهد هذا النوع من الحرب البحرية منذ مدة طويلة، ومن الصعب جداً معرفة كيف ستسير الأمور على أرض الواقع.
وأفادت مصادر خاصة، «الأخبار»، بأن مستشارين عسكريين أميركيين وبريطانيين عمدوا، في الأسابيع الأخيرة، إلى الاجتماع مع مسؤولين في الميليشيات التابعة لما يسمى بالمجلس الرئاسي وكذلك مع مسؤولين في تحالف العدوان السعودي – الإماراتي. وتركزت اجتماعاتهم على تجميع معلومات حول القدرات اليمنية والكشف عن المضبوطات التي زُعم أن هذه القوات صادرت أجزاء منها أثناء تهريبها إلى صنعاء في مراحل مختلفة.
وكانت صحيفة «واشنطن تايمز» قد حدّدت الأهداف المرجح ضربها من قبل البحرية الأميركية، وهي قدرات «أنصار الله» المضادة للسفن، سواء الردارات أو الصواريخ أو زوارق الهجوم السريعة أو القوارب أو الطائرات من دون طيار والطائرات المروحية.
على أي حال، وأياً كان ما ستنتهي إليه الأمور، فإن القرار اليمني لا يصيب فقط الكيان الإسرائيلي، بل هو صفعة للدول العربية والإسلامية المطبّعة، وأبرز هذه الدول:
– تركيا التي تتعاطى بازدواجية مع الصراع. ففي الوقت الذي تزعم فيه أنقرة أنها تدعم القضية الفلسطينية وتقف ضد العدوان على غزة، فإن السفن التركية ترسو يومياً في الموانئ الإسرائيلية، وتحمّل بضائع يستفيد منها جيش الاحتلال الإسرائيلي، بما في ذلك الفرق العسكرية التي تتقدّم في غزة. وقد علّق أحد النشطاء الفلسطينيين على منصة «إكس» بالقول: «يا ريت لدينا قوات مسلحة يمنية في البحر المتوسط حتى تكون قادرة على منع السفن التركية من الوصول إلى الموانئ الإسرائيلية»، وأضاف أن «إردوغان لا يزال يرسل البضائع والنفط إلى إسرائيل بمعدل ثماني سفن يومياً».
– الإمارات التي عمدت بعد تعرض التجارة الإسرائيلية للمخاطر في البحر الأحمر، إلى مد طوق النجاة للعدو بالإعلان عن توقيع اتفاق معه لنقل بضائعه براً عبر السعودية والأردن.
– مصر، البلد العربي المجاور لفلسطين، والذي يزيد عدد سكانه عن 100 مليون نسمة، ويمتلك أكبر الجيوش العربية، ويقف عاجزاً عن فتح معبر رفح، فضلاً عن أن القاهرة لن تكون مرتاحة للقرار اليمني، إذ تعتبر أنها ستتضرّر جراء تجنب سفن الشحن المرور من باب المندب والبحر الأحمر ومن ثم قناة السويس.
– أما الصفعة الأكبر، فهي لكل دول «جامعة الدول العربية» و«منظمة التعاون الإسلامي»، والتي اجتمع قادتها في السعودية الشهر الماضي، وعجزوا عن فرض قرار إدخال المساعدات الدوائية والغذائية إلى قطاع غزة المحاصر.
* المصدر: الاخبار اللبنانية
* المادة الصحفية نقلت حرفيا من المصدر وبتصرف